الإنسـان وتعامله مع الصدمـات!‏

كل إنسان معرض للصدمات, وكل إنسان معرض أن يواجه في حياته الهزات والشدائد والمصائب والنكبات.  فالإنسان قد يتعرض للفقر, أو للمرض, أو الصدمات النفسية, أو ضربات القضاء والقدر المقضية, أو قد يقع فريسة لحسد حاسد, أو جهل جاهل, أو لؤم لئيم, أو مؤامرة خبيث, أو مكيدة حاقد إلى غير ذلك من المصائب والعاديات.  وبما أن الإنسان خلق ضعيفا من لحم ودم وأعصاب, ومن طبعه إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين, فمن الطبيعي أن يتأثر بمثل هذه المصائب ويتألم, ومن الطبيعي أن  توثر على نفسيته ومزاجه وتصرفاته ويتنكد ولو إلى حين, ولكن ليس من الطبيعي أن تؤثر عليه شهورا وعقودا وسنين, وليس من الطبيعي أن تغير من تركيبته النفسية وتقلبه رأسا على عقب في طباعه ومسلكه وطريقة حياته, فتجعله عنيفا بعد أن كان وديعا, وعدوانيا بعد أن كان مسالما, ولئيما بعد أن كان طيبا, ومعقدا بعد أن كان إنسانا جميلا, وليس من الطبيعي أن تجعله يسيء معاملة الناس ويظن بهم ظن السوء ويكيل لهم التهم زورا وبهتانا, ويؤذيهم ويضرهم.   فالمفروض إذا إذا وقع أحد منا في مصيبة أن تكون أداة لحك معدنه وجلخه وتنقيه من الشوائب ليصبح بعدها أكثر صفاءا ونقاءا ولمعانا وقربا من الله, لا أن تصهره في نارها, وتذيبه في بوتقتها, فتحوله إلى مركب نقص يمتلئ بالعقد النفسية والشعور بالنقص والأمراض الإجتماعية ليعم أثرها فيما بعد على نفسه وأهله وأقاربه وأصدقائه وزملائه وكل من يتامعل معهم.

وللإسف, فهناك نفر من الناس إذا ما أصابته مصيبة أو وقع في مشكلة بما اقترفت يداه, أو ما اقترفه الآخرون بحقه, يصبح إنسانا حقودا لئيما, يكره الناس ويحسدهم ويفكر في أذيتهم, ويتألم أن يراهم ناجحين سعيدين, أو أصحاء معافين, هادي البال مرتاحي الضمير, بل على العكس فإنه يتضور ألما أن يرى غيره يعيش عيشة طبيعي,ة رضية مرضية, لا يؤرقهم مؤرق, ولا يقض مضجعهم مرض أو منغص, إنه يتألم أن يرى غيره مسالما يعمل وينتج ويعيش حياة طبيعية, ويبدأ من كثر غيظه يفكر في شتى الأساليب الجهنمية السوداء, ويوسوس في صدره شتى وساوس الشيطان, ليتآمر عليهم, والإيقاع بهم وإيذائهم, وتفريغ جام أمراضه وكأنهم السبب وراء مصائبه أو ألمه ومشاكله.  وأكثر من ذلك, فيصبح هذا الشخص يظن بالناس ظن السوء لا ينام الليل وهو يفكر كيف يهدم, وكيف يضر, وكيف يؤذي وكيف يحبط وكيف يقضي على كل خير, وكان أولى به ـ وهو يحمل أوزار مصيبته ـ أن يجلس مع نفسه ويراجع فهرس أعماله, فإذا كان مسيئا فيستغفر أو محسنا فيستزيد, وكان أولى به أن يلتجأ إلى ربه ليخفف عنه هول ما أصابه, يدعوه ويرجوه ويتضرع إليه أن يغفر له ويرحمه ويلطف به فيما قضى به وقدر, وكان أولى به أن يتقرب إلى الناس ويتودد لهم, يحبهم يساعدهم ويناصرهم لا أن يزداد لؤما وحقدا عليهم, ويمتلئ مشاعر الإنتقامية ضدهم, ويفرغ شخناته العدوانية في التجسس عليهم واتهامهم, وما كل ذلك إلا ليشعر أنه ليس هو الوحيد الذي يعاني, وليس هو الوحيد الذي يتألم, وليس هو الوحيد الذي لا ينام الليل, ولكن هناك غيره أيضا يعاني ويتألم, وتتجافى جنوبه عن المضاجع ويأرق.  إنه بضرره هذا يحاول أن يسقط مشاعره السلبية على غيره, ليخفف من شحناته العدوانية التي تؤرقه ليلا نهارا, وليشعر بعدها بالسعادة والقوة ويتوهم الشفاء من أمراضه عن طريق إسقاط مشاعره العدوانية على غيره, مع أن مثل هذه المشاعر والأعمال في حقيقتها لا تزيده إلا مرضا وشقاء ونفور الناس منه وغضبهم عليه وهو لا يدري.  هذه الظاهرة في علم النفس تسمى “السادية” وهي مشاعر غير طبيعية, تجعل صاحبها يجد اللذة ويشعر بالسعادة وهو يؤلم الآخرين ويؤذيهم.

في حين أن هناك طائفة من الناس, وهي المؤمنة والأكثرية بإذن الله,  تراها عندما تقع في مصيبة أو تحل عليها نائبة, تجلس مع نفسها وتراجع فهرس أعمالها وتبدأ تحاسب نفسها على كل صغيرة وكبيرة ارتكبتها, لتقف على خيرها وشرها, وإيجابياتها وسلبياتها  فتصحح ما انحرف منها وتعدله, وتعزز ما صلح فيها وتدعمه, ثم تراها بعد ذلك تلجأ إلى ربها تستغفر وتبتهل وتتضرع, وتصلي وتصوم وتتصدق, راجية منه أن يهون عليها مصابها, ويشفيها من آلامها وأمراضها, ويخفف عنها أحزانها ويبرئها من أمراضها, ثم تراها تقبل على عمل الخيرات ما استطاعت إلى ذلك سبيلا, إما بالتقرب إلى الله بالصلاة والهدي والنوافل, أو إخراج الصدقات على الفقراء والمساكين, أو تقديم العون للمحتاجين, أو إصلاح ذات البين والتأليف بين القلوب, أو حل مشاكل الآخرين ومساعدتهم, أو الإقبال على الناس بالكلمة الحلوة, والوجه البشوش, وعمل الخير.  فالمصيبة ما كانت بالنسبة لها إلا صخرة اتكأت عليها لتنهض من جديد, وتقوم وتواصل مشوار الحياة من جديد بهمة أعلى, وتفاؤل أكبر وإيمان بالله أشد أقوى وأرسخ.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, أيهما أفضل أن ينهض الإنسان من مصيبته ويتعظ, ويستغفر ربه ويتقرب إليه والناس وأهله, لينال حبهم ورضاهم , ويتعلم من خبراتهم وتجاربهم, فيبرأ من أمراضه, وييلّ من مصيبته, فيصبح إنسانا عاديا طبيعيا يقوم بواجباته نحو أهله ومجتمعه, أم يصبح إنسانا معقدا مريضا يسقط عقده على غيره بإيذائهم, والتسلط عليهم وإحباطهم, والتآمر عليهم واتهامهم, فيبوء بغضب الله وغضبهم, مما ينفرهم منه ويبتعدونه, ويدعون عليه ويكرهونه, فلم يزده عمله السيء هذا إلا سوءا ووبالا؟

 فالمصيبة إن لم تكن على الأقل مدعاة للإتعاظ وأخذ العبرة, فيجب ألا تكون مدعاة لضرر الآخرين وإيذائهم واتهامهم بالباطل وضرهم, إذ عندها ستتعاظم وستصبح مركب نقص تؤرق صاحبها, وستكبر مع الأيام لتصبح ناقوس خطر يقض المضجع في اللليل والنهار, مما يستوجب معها زيارة الطبيب النفسي والعلاج قبل فوات الأوان.

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.