سنــة تأتي وسنــة تمضــي ! ‏ماذا عساي فاعل ؟

ها هي الأيام تكر وتمضي، سبت، أحد، إثنين، ثلاثاء…، وها هي الأهلة تهل وتأفل، كانون أول، كانون ثاني، شباط، آذار، نيسان…، وها هي الفصول تدور وتتعاقب، خريف، شتاء، ربيع…، واليوم يولد ويتكور، فجرا وصبحا وضحا وظهرا وعصرا…، والساعات تدق عقاربها، السابعة، التاسعة، العاشرة، منتصف الليل…، وها هي السنين تتوالى وتتلاحق، وتستمر الحياة في دورانها دوران المجرات في أفلاكها وهي تحمل مع كل دورة في ثناياها الكثير من المسرات والمآسي، والسلم والحرب ، والفرح والترح، والضيق والفرج، والتطور والتأخر، والعلم والجهل، والظلم والعدل… ولكن، هل سأل الإنسان نفسه في يوم من الأيام كيف قضى هذه السنوات والعقود والحقب والقرون! وكيف قضى عمره وأيام ولياليه! وهل أخضع نفسه للمسائلة والمحاسبة في نهاية كل عام! وهل راجع فهرس أعماله؛ ليرى إن كان محسنا فليستزيد، وإن كان مسيئا فليستغفر!

 وإن اعتاد العالم على الإحتفال في نهاية كل سنة ليودع عاما ويتسقبل عاما، ويحيي رأس السنة بفرح وسرور، ودق وطبل وحبور، فهل تساءل الواحد منا بعد الإحتفال وتوديع العام: كيف كان عامي المنصرم وماذا فعلت فيه، وماذا عملت وماذا أنتجت؟ وهل كنت فيه نشيطا أم كسولا، مقداما أم متقاعسا، عادلا أم ظالما، بارا أم عاقَا ؟ وهل ازددت نموا وعلما ورحمة وشعورا وأدبا وأخلاقا، أم ازددت جهلا وقسوة وتقهقرا وانخذالا ؟  وما الذي فعلته من أجل عائلتي وأهلي؟ وما الذي أنجزته من أجل بلدي وشعبي ووطني؟ فهل قدمت لهم شيئا مفيدا أعانهم في حياتهم، أم قمت بشيء مضر زاد في تعاستهم ومأساتهم؟ وهل ساهمت في تطورهم وعملت على تقدمهم ورفعتهم، أم أخرتهم إلى الوراء شهورا وأعواما بتقاعسي وظلمي وجهلي؟ وهل كنت في بنيانهم لبنة بناء، أم كنت معول هدم وتحطيم وفساد؟ وهل ساعدت في عامي الراحل المحتاجين وتصدقت على الفقراء والمساكين، وعلَمت بما وهبني الله من علم وأنرت السبيل أمام الجاهلين، أم أمسكت يدي وعلمي واتقوقعت على ذاتي لأنانيتي وبخلي وجهلي؟  وهل أعدت الحق لأصحابه وأنصفت المظلومين وأصلحت بين الفرقاء ولممت شمل المشتتين، أم أني أدرت ظهري لكل هؤلاء فلم أتصدق، ولم أساعد، ولم أعمل شيئا ذي بال، لأنني لم أهتم إلا بنفسي وكفى؟

وماذا عساي فاعل في عامي المقبل؟ وما الأمنيات التي أتمناها؟ وما الخطط التي أرسمها؟ فهل أفكر مثلا في أن أقوم بمشروع بنَاء، وهل أنا مصمم على إعانة الفقراء، وهل أنا عازم على إنارة العقول وبث الأمل والتفاؤل في النفوس؟ وهل سأخلص في عملي أكثر وأحافظ على مواعيدي وأستغل وقتي بما يفيد؟ وهل أفكر في أن أزداد تعاونا مع أهلي وخلاني وأبناء بلدي وجيراني؟ وهل أفكر أن أصل الأرحام وأولف بين القلوب وأخفف من معاناة الناس؟ وهل  سأنصر المظلومين وأطبق القانون إن كنت مسؤولا، وأنشر العدالة وأحارب الفساد وأعيد الحقوق لأصحابها وأبث الأمن والأمان بين الناس إن كنت مديرا؟  ثم ماذا عساي فاعل اتجاه ربي وديني، فهل أنا جاد في تقوية إيماني والقيام بالفروض التي فرضها الله عليَ من صلاة وصوم وزكاة وصدقة وإحسان وحج البيت الحرام؟

نعم، فها هي الأعوام تكر وتمضي، وسنة تذهب وسنة تأتي، والإنسان يكبر ويهرم، والعالم يتغير ويتبدل، والحياة تمر بسرعة كلمح البصر وتنتهي، ولا يبقى منها إلا الكلمة الطيبة والسمعة الحسنة والعمل الصالح: العمل الخير الذي يفيد الإنسان وينفعه؛ العمل الذي يخفف من مرضه وفقره ويضمد جراحه؛ العمل الذي يبني دولته ويحافظ على أرضه وأوطانه، العمل الذي ينشر السلام بين ربوعه وأبنائه؛ العمل الذي يحفظ الحقوق المدنية والإجتماعية لجميع الناس دون تمييز بين جنس وحزب ولون ودين؛ العمل الذي يزرع الطمأنينة في النفوس، وينشر المحبة في القلوب بدل الخصام والفتنة والحروب! وما عدا ذلك، فهو باطل بباطل؛ وما سوى ذلك، فهراء بهراء بهراء.  مع تمنياتنا للجميع بسنة حلوة جميلة وخيرة مليئة بالبشر والتفاؤل، والأمن والأمان، والأمل والعمل والسلام، الذي يرضي الناس ورب العباد.

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.