لا يحق للمرء أن يتشاءم مهما صادفه من مشاكل، ولا يحق له أن يقنط مهما واجه من إحباطات ومصاعب، بل لا يحق له أن ييأس مهما سدت أمامه النوافذ وأغلقت الأبواب، وما كل ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى موجود، وهو بيننا يسمع ويرى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد، وهذا يعني أن الفرج آت، والخير موجود، والإنسان الخيَر أيضا موجود، ولو نفذ الخير لماتت الناس جوعا وكمدا، ولو نفذ الخير لانتفت الحياة ولم يبق فيها طير طائر، ولا وحش سائر، ولا إنسان عامل، ولا مؤمن عابد.
وصدق رسولنا الكريم عندما قال ” الخير فيَ وفي أمتي إلى يوم القيامه”، وكأنه بحديثه هذا يطمئن المكروبين المحزونين، والفقراء البائسين، والمرضى المتعبين، والمتألمين المهمومين، والضعاف المغلوبين ويقول لهم، مهما صادفكم من مشاكل فلا تقنطوا من رحمة الله لأن الخير موجود، ومهما بغى عليكم الظالم فلا تهنوا ولا تحزنوا لأن الخير موجود، ومهما نفد ما في يدكم من مال ومتاع، فلا تيأسوا لأن الخير موجود، ومهما تآمرت عليكم الدول وأنهكتكم الأعداء فلا تهنوا ولا تحزنوا لأن الخير موجود، ومهما بثت الأعداء بينكم سموم الفرقة والشر والفساد فلا تستسلموا ولا تتخاذلوا، لأن الخير موجود. وبالتالي، فيا أيها المظلومون والمرضى والمغلوبون والأسرى والمحزونون، لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، واعلموا أن لله جنود السموات والأرض تمشي بينكم وتعرف سركم وعلانيتكم، وحالكم وأحوالكم، فتهب لتمد يد العون لكم من حيث لم تحتسبوا. إنهم أناس منتشرون في الزوايا وخلف الأبواب، وموجودون وفي كل مكان، هؤلاء الناس هم جنود الله المجهولين يرسلها الله لكم من حيث لم تحتسبوا ودون تخطيط مسبق أو سابق إنذار.
فكم من مرة انقطع الرزق عن فلان وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ثم جاءه الغيث من حيث لا يحتسب، وكم من مرة وقع فلان فريسة مكر الماكرين وظلم الظالمين وجاءه الفرج من حيث لا يدري وفتحت له نوافذ الفرج وأبواب الرجاء، وكم من فلان وقع فريسة للحزن والاكتئاب نتيجة فقدان عزيز أو شيء غال ثمين، فالتقى بطريق الصدفة بإنسان خير صالح فأنزل الله على قلبه السكينة والطمأنينة، وكم من إنسان وقع تحت طائلة المرض وخضع لعمليات جراحية دون أمل بالشفاء، فشفي من مرضه على يد طبيب لم يكن بالحسبان.
هؤلاء الجنود المجهولون، يرسلهم الله إلينا من حيث لا نحتسب، فيهبون للمساعدة دون أن يطلب منهم أحد. وهؤلاء الجنود المجهولون هم الناس الخيرون الذين يعملون بصمت، ويعملون بكل وفاء وكفاية وإخلاص. إنهم كالملائكة التي تتجول بين الناس في الأرض وتسبح الله في السماء مكرسين أنفسهم لعمل الخير فيساعدون المهموم، ويفرجون عن المكروب، ويمدون يد العون للمحتاج، يقومون بعملهم دون أن ينتظروا كلمة شكر أو مدح أو ثناء، وما كل ذلك إلا لأنهم أناس مؤمنون بربهم، مؤمنون برسالتهم، مؤمنون بعمل الخير من أجل الخير.
كاتبة وأديبة، ومحاضرة في قسم أساليب التدريس والدراسات العليا في كلية التربية/ جامعة النجاح الوطنية