معجزاتنا الصغيرة

يا الله، أعلم أن زمن المعجزات قد انتهى، لكن .. يا إلهي ما زلت أحتاج ذلك الحدث العظيم الذي سيغير حياتي بأكملها، سيعيد لضلوعي المكسورة قوتها، و لقلبي شغفه المُتّقد .. يا الله، ربما أكون أنا وقلبي أصغر من أصغر شيء يمكن أن أراه بعيناي هاتين بالنسبة لحجم ما في الدنيا من قلوب، وآمال، وأحلام، لكن يا إلهي مازلت لا أرى غيرك ملاذاً و منجى لنا .

منذ أن كنت كأي طفلة تشاهد الرسوم الخيالية تلك التي كان فيها دوماً بطل خارق، أو عصى سحرية أو قوة تنقذ الناس في أشد و أصعب مواقفهم .. جلست و فكرت مُطولاً في هذا الأمر و كم أحببت أن يكون لدي شيء كهذا، بطل خارق، معجزات فورية، أمنيات محققة .. لكن ألا يكون مستحيلاً شيء كهذا ؟!

مررت بموقف بعدها في مدرستي الابتدائية، كنت قد انهمكت في عيش طفولتي البسيطة، و لعب بعض الألعاب الأنثوية و قد أنساني ذلك واجبي المدرسي، ذهبت لمدرستي في اليوم التالي و كل تفكيري كان مشغولاً بموضوع البارحة، ألا و هو “معجزاتنا الصغيرة” ، أتت الحصة الدراسية التي قد نسيت واجبي فيها، تقدمت المعلمة و قالت بنبرة غاضبة “من لم تحل الواجب تقف أمام اللوح بسرعة!” .. نهضت بأرجل مرتجفة، و مشيت بخطوات مرتعدة و من ثم وقفت هناك، لم يكن غيري قد وقف كما أذكر، في تلك اللحظة تذكرت تماماً الحوار الذي قد دار في رأسي مُطوّلاً في الأمس، وقفت أشاهد ما سيحدث بلا أحساس ولا مشاعر، ضُربتُ أول ضربة من المعلمة، و من ثم انهالت عليّ بالإهانات .. لم أهتز مُطلقاً لذلك – و كأنني أفقد إدراكي في مثل هذه المواقف -، أغضب ذلك معلمتي فأرسلتني إلى المديرة لـ “أخذ عقاب أستحقه” ، و بينما كنت أمشي في الممر ذاهبة الى مصيري المُحتم – كما كنت أعتقد-، اغمضت عيناي الصغيرتين، و من ثم تمتمت بكلمات بسيطة كانت مثل: “أنقذني يا الله فقط هذه المرة، و لن أُعيد هذا الخطأ ثانية، أعِدك” .. بعد بُرهة وصلت الى غرفة المديرة، تفاجئت أن المديرة قد غادرت المدرسة كاملةً منذ دقائق لأمر مُستعجل قد حدث في مكان آخر و اضطرت للذهاب فوراً ! .. أي تماماً بينما كنت أستحضر قلبي و شعوري بأن معجزة صغيرة ستحدث الآن، لأنني ناديتُ بطلي .. لأنني ناديت الله .

ما كنت لأتعلم الدرس الذي أفادني لبقية حياتي لولا نسياني لدرسي المدرسي الذي لم أجد منه فائدةً يوماً، أعترف أن هذا الدرس كان مُستحقاً لبعض الألم الجسدي الذي شعرت به جرّاء ما حدث، لكنني تعلمت أن الله هو الملاذ دوماً، و أنه لن يرحمك أحد في أرضه أبداً كما هو، تعلمت أن اليقين هو السر، و الدعاء هو العصى السحرية التي يجري بها الله لنا معجزاتنا الصغيرة .. و ما كنت لأعلم كل هذا، و لم يُغرس في قلب طفوليّ لولا حُسن تدبير الله.

بقلم: روان حمد

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.