أين غابت شمسنا؟!‏

بقلم: ملك رمزي محمد حروب‏

قال تعالى: {اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} العلق 3-5.

 لا أستغرب أبداً إذا ما عرفت أن سر نهضتنا نحن المسلمين في زمن قديم هو العلم والقراءة والاطلاع الوافر على مختلف الميادين العلمية والأدبية والدينية، والتفهّم العظيم لعقول الناس وامتلاك هدف سامي وغاية عظيمة المنال، كثيرة التضحيات، بليغة الأثر، وهي رضا الله سبحانه وتعالى، فمن أراد أن يعمر أرض الله على مُراد الله، بارك الله له في مشاريعه، ومن هنا نرى أن البركة هي ما رُزِق بها العرب يوم كانوا يحملون لواء الحضارة، ويوم أطَلّوا بشمسهم على جنبات العالم الأربع، ليضيئوه كما لم يسبق أن فعل غيرهم، لكن…. أين كل ذلك الآن؟ وأين هذه الشمس؟ إنه حقاً موضوع يهمني ويقلقني ويحيرني!

يحيرني كثيراً ما وصلنا إليه من حالٍ بائسة وفقيرة بعد أن كنا في قمة القمة، نحن العرب كانت لنا حضارة متسامحة، وتراث سامي، واستحقينا أن نكون الأمة الوسط التي تشهد على الناس وتقودهم إلى الخير والحق والكرامة. عشنا بنظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، أما الآن، فلا يوجد في الأشخاص ميلٌ لتحقيق بنية تحتية للثقافة، مع أننا ندين بأسمى وأغنى دين على وجه الأرض، والذي يؤهلنا لاستخراج الخيرات من جديد، سواء ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية وفكرية أو سياسية، أيضاً وا يوجد تقدير للعقول والمفكرة الكبيرة، لقد انطفأت شمسنا بعد أن كانت مشعة على العالم أجمع!

وتميزت حضارتنا بخصائص جليلة، فقد أخذت المبادئ الأخلاقية المحل الأول في هذه الخصائص، فكلنا آدم وآدم من تراب، لا يتكبر أحد على أحد. كما أنها إنسانية النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة.

“كانت كل حضارة تفاخر بالعباقرة من أبناء أمة واحدة، إلا الإسلامية، فهي تفاخر بالذين أقاموا صرحها من كل الشعوب”. (السباعي،44)

ولكي نعود، علينا أن نؤمن بما آمنت هذه الأمة ابتداءً من الخليفة إلى أصغر مواطن، آمنت بالعلم! “منذ أن اتسع سلطاننا نحن المسلمين، تشوقنا للاطلاع على العلوم السابقة واعتمدنا على تفسير الحديث النبوي القائل: {الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها ممن سمعها، ولا يبالِ من أي وعاءٍ خرجت} “. (فرّاج، ١٢٥) ومن أقدم من اشتغل بهذا المجال: خالد بن يزيد الأموي، حيث نقل العلوم سنة ٨٥ هجرية، وأيضا، نُقل الطب في عهد المنصور سنة ١٤٨ هجرية.

فما أحوجنا اليوم إلى الثقافة والتعلم لأجل العلم لا غير، فكم من شخص يحمل شهاداتٍ عليا، إلا أنه لا يلقى طعمٌ لما أنجز، لافتقاره لهدف سامٍ.. كمعرفة الحال لإصلاح ما اعتُقِد من المُحال! فلو نظرنا إلى البيئة التي نعيش بها اليوم، وجدناها متدهورة لا مزدهرة، ترى الناس يركضون وراء ملذات الدنيا، ووراء بعضهم، في معركة خاطئة مستمرة، فلم يعلمونا كيف نختار معاركنا، حيث النصر الجميل، فالمعركة الحقيقية هي التي تغتنم منها رفعة وطن،  تعليم عقلٍ عظيم لم يستطع دفع تكاليف التعليم، أو حتى إبادة الفقر في حيّك، بمساهمةٍ بسيطة من كل قادر، فالعلم بنظري ليس للمال، بل للنفس الإنسانية المتعطشة له، لأن الله جعله غذاء للروح، فبه نرتقي ونعلو وبه نعود. وهكذا تنمو المجتمعات وتتطور وتزدهر من جديد، قاضيةً على الجهل والفقر الذي انتشر، معيدةً جزءاً بسيطاً من شمسنا القديمة، وحضارتنا القويمة العظيمة. فالتاجر مثلاً بإمكانه رفع سوق بلده بترويجه لبضاعتها، لا بضاعة البلاد الأخرى، والطبيب الناجح باجتهاده المستمر لإيجاد العلاج المناسب للأمراض التي لم يُعرَف لها دواء بعد، لا باختياره لدولة أخرى ليعمل بها ويخدم بها كما يفعل الكثيرون، فوطنه يريده. وينبغي لنا ألّا ننسى أهمية حملات التوعية وحملات التشجيع على القراءة. “من عظمة الكتاب أن الله تعالى له كتاب” (القرني، 122)

وزرع فكرة النهضة من جديد وإضاءة الشمس بعد انطفاء طويل، وتوجيه الناس إلى قراءة كتب التاريخ، وحيث أنه ينبغي لمن يقرأ التاريخ ألا يكون همه المتعة وحسب، ولكن عليه بالاتعاظ من قصص التاريخ، والتعرف على سنن الله- جلّ في عُلاه- في الأمم والدول، مثل قاعدة: أن الله لا يصلح عمل المفسدين. فعلينا أن نبادر بالنية الصالحة للتغيير الايجابي ليعيننا الله، وأن نطيبَ نفساً فعلى قدر ما في نفسك من جمالٍ سترى.

“احذفوا العرب من التاريخ، يتأخر عصر النهضة في أوروبا عدة قرون، لقد لمع العرب والمسلمون الأوائل في شتّى الميادين العلمية، واستطاعوا بقوة إيمانهم وعقيدتهم أن ينشروا دين الله والخير للناس أجمعين، على عكس علماء أوروبا، الذين كانوا يُحاكمون من قبل رجال الدين، ويُضطهدون إذا خرجوا بآراء جديدة اعتُتبرت انتهاكاً لكمال علوم الكنيسة كما اعتقدوا، ولكن أوروبا رأت من علوم المسلمين شأناً يعود عليهم بالفائدة، فظلت 500 سنة تنقل وتتعلم منهم”

(فرّاج، 321)                      

علينا كشباب الأمة، أن نحيي كنوز الفكر العربي من جديد، لصنع تاريخٍ مجيد، سالكين نفس الطريق ليكون مستقبله امتداداً لماضيه العظيم. لكن هيهات هيهات، فهذا حلمٌ اليوم، الكل مشغولون بالدنيا وبيومهم، لا ينظرون إلى حال الأمة، رغم الفضل العظيم الذي سيأتيهم لو تكاتفوا، ولو عرفوا أنهم يستطيعون، فأين الهمة؟ وأين طاقات الشباب؟ وأين ذهبت شمسنا؟!

المصادر

القرآن الكريم

-سورة العلق، الآية ٣-٥

الكتب

-السباعي، مصطفى، من روائع حضارتنا، دار الفكر للنشر، ٢٠١٣ مطبوعة

-فراج، عز الدين، فضل علماء المسلمين على الحضارة الأوروبية، دار السلام، ٢٠٠١ مطبوعة

-القرني، عائض، عاشق، دار النهضة، ٢٠٠٩ مطبوعة

إعلام

٩-ماذا سرق الغرب من علوم المسلمين .انفوجرافيك. يوتيوب. إلكترونية. ٢ أغسطس ٢٠١٧

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.