مساوئ الإنترنت وكيفية التغلب عليها !‏

هناك الكثير من الناس أصبحت تتذمر من الإنترنت وتشكوا من سوء استخدامه، نظرا لما يحتويه من ‏معلومات ضارة، ومشاهد مشينة، وصور فاضحة،  قد تؤذي بمشاعر الإنسان وأخلاقه، وتؤثر في عقله وطريقة ‏تفكيره، ومن ثم تحييده عن الصراط المستقيم التي أرادها الله لعباده المؤمنين الصالحين.  ناهيك عما يسببه ‏الإدمان على الإنترنت من علل في صحة الفرد الجسمية وعلاقاته الاجتماعية، كضعف في النظر، وديسك ‏في الرقبة والظهر، وإشعاعات سرطانية، وسكتة قلبية، وضعف في العلاقات الاجتماعية.  ناهيك عما يسببه ‏عن خربشة الفكر بمعلومات متناقضة وغير صحيحة وسطحية .  كل هذا من شأنه أن يستنزف وقت الإنسان ‏وقوته وأعصابه وصرف طاقته في أشياء آنية لا طائل منها سرعان ما تذوب وتتلاشى مع تلاشي الصفحة ‏التي حملتها، وتتطاير حال إغلاق الإنترنت.   إلا أن الأكثر سوءا هي تلك المعلومات الخاطئة المغرضة، ‏والدعاية المضللة، والصور الفاضحة الهابطة، والمشاهد المفبركة، مما يجعل الفرد يحتار أيهما يختار وأيهما ‏يهمل، وأيهما يصدق وأيهما يكذب، وأيهما يعتمد وأيهما لا يعتمد.  لقد أصبح الواحد منا يفتح الإنترنت ليجد ‏فيه المعلومة المفيدة إلى جانب المعلومة الضارة، والسلوك الحسن إلى جانب السلوك المنحرف، والكلمة ‏الواعظة الهادية إلى جانب الكلمة المدمرة، والممارسات الحميدة إلى جانب الممارسات اللاأخلاقية المشينة.  ‏علاوة على أن المستخدم لشبكة الإنترنت فد يفاجأ بضخامة المعلومات التي يستقبلها وتنوعها وتعددها وسرعة ‏انتشارها التي تعصف به وبدماغه عصفا وتقلبها مما يجعله مشوش التفكير، حائرا مترددا بأيهما يبدأ، وأيهما ‏يختار، وبأيهما يثق وأيهما يعتمد.  حقا لقد أصبحنا نعيش في عالم مفتوحة أبوابه على مصراعيها، يوجد فيه ‏كل ما يخطر على بال من خير وشر، وصواب وخطأ، وشياطين وملائكة، وصلاح وطلاح، ومفيد وضار.‏

سؤال يطرح نفسه ؟

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف لنا أن نعلَم أبناءنا أن يختاروا المعلومة المفيدة ويبتعدوا عن المعلومة ‏الضارة، وكيف يجب أن نوجههم إلى ما يفيدهم وينميهم ويطورهم وننهاهم عن الذي يضرهم ويسوؤهم، وكيف ‏علينا أن نجنبهم مشاهدة الصور والفيديوهات المنحرفة والمعلومات التافهة الساقطة؟ أي كيف لنا أن نحمي ‏صغارنا وكبارنا وأبناءنا ورجالنا ونساءنا من مضار الإنترنت ونفاياته التي تعبث بالعقول والنفوس وخاصة ‏الناشئة ذات اليمين وذات الشمال في الوقت الذي لا نستطيع أن نمنع الشركات المشرفة على الإنترنت بالتوقف ‏عن بث مواقعها الهابطة، وتقييدها بما تنشر وما لا تنشر، وما الذي يناسبنا والذي لا يناسبنا، وما المواقع التي ‏تضر بثقافتنا وتؤذينا ، لأن مثل هذا الطلب غير منطقي ولا معقول، وإن نجحنا في بعض الأمور فقد لا ينجح ‏في كل الأمور، سيما وأننا نعيش في عصر مفتوح، حر، وغير مقيد، والمصالح هي التي تحكم البشر، والجشع ‏المادي هو سيد الموقف.  إذن، ما الحل وما العمل، وكيف نحمي أنفسنا من مضار الإنترنت، وكيف نحصّن ‏أبناءنا من الأفكار الفاسدة، والمعلومات الخاطئة، والثقافة الهابطة، والدعاية المضللة، والأهداف المغرضة؟  ‏أظن أن الحل يكمن في التربية والتعليم، واعتماد أحدث ما توصلت له الدراسات النفسية والتربوية في عصرنا ‏الحاضر والمتعلقة بالوعي (‏Awareness‏)، وضبط النفس ( ‏Controlling‏)، والتوجيه (‏Regulating‏).  أي ‏علينا أن نعلم أبناءنا ما الذي أن يختاروه من الإنترنت وما الذي يتجنبوه، ونعلمهم أن يميزوا بين الذي يفيدهم ‏وبين الذي يضرهم، والذي يرفع من قيمتهم ونفسهم والذي يحط من إنسانيتهم وقدرهم.  علينا أن نربيهم بأن ‏يكونوا يقظين واعين لما يدور حولهم من خير وشر، وصالح وطالح، وأن يتحكموا تبعا لذلك بعقولهم ومشاعرهم ‏وانفعالاتهم، حتى لا يجرهم الإنترنت إلى طريق الضلالة والغواية ويبعدهم عن طريق الخير والصلاح والهداية، ‏فيخسروا بذلك أنفسهم، ويخسر بهم أيضا مجتمعهم وأمتهم.  علينا أن نوضح لهم بأنه ليس كل ما ينشر على ‏الإنترنت صحيحا أو غير مقصود، وإنما وراءه جهات مغرضة لها أهداف خسيسة وأطماع مادية من وراء ما ‏تنشره من معلومات فاسدة وأفكار خادعة مضللة.  ناهيك عن أن بعض المواقع تلجأ إلى الحرب النفسية عن ‏طريق ما تبثه من فيديوهات وصور ومعلومات لللعب بمشاعر الناشئة، وتأجيج غرائزهم، والتأثير في عقولهم، ‏والنيل من معنوياتهم، بل واستعمارهم بطريقة غير مباشرة عن طريق العبث بمبادئهم ومعتقداتهم، وتشكيكهم ‏بدينهم ودنياهم، والأكثر عمل غسل دماغ لهم.‏

إن تربية الطفل وتعلميه أن يميز بين الحلال والحرام، والخير والشر، والحق والضلال، والخطأ ‏والصواب ليس وليد الساعة وإنما موجود قدم الإنسانية منذ أن خلق الله الإنسان وأرسل الرسل والأنبياء، وذلك ‏لتهديه إلى طريق الخير وتبعده عن طريق الشر، وكان أولها عندما غضب الله على إبليس لرفضه الامتثال ‏السجود لآدم ، وعلى إثرها فقد توعد الشيطان آدم وذريته بالغواية والضلالة إلى يوم يبعثون.  ومنذ ذلك الحين ‏فقد أصبح الشر ملازما للخير، والشياطين ملازمة للملائكة، والرسل ملازمة للغاوين، والطالحين ملازمين ‏للصالحين لقوله تعالى ” وهديناه النجدين”، أي طريق الخير وطريق الشر وهما طريقان متلازمان لا ينفصلان ‏منذ أن حسد إبليس آدم ورفض أن يسجد له وتوعد بغوايته بأشكال وطرق مختلفة، وآخرها عن طريق الإنترنت ‏والانفتاح غير المضبوط، والخيانة والعمالة والفساد.  وبما أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ويعلم ما ‏توسوس له نفسه بسبب الشيطان وغوايته، فقد أودع فيه عقلا مدركا، وبصيرة مبصرة، وأفئدة قادرة على التمييز ‏بين نجد الخير ونجد الشر، وبين الهداية والضلالة إن أراد هو ذلك، بما تركه فيهم من القرآن الكريم والسنة ‏النبوية الشريفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا، كتاب الله وسنتي”.‏

ولعل الحكمة من وراء تلازم الخير بالشر هي لكي يبتلى الإنسان في حياته والتمييز أيهما أحسن ‏عملا.  فلو أن الحياة خلت من الشر لما كان هناك فضل للإنسان باتباعه الخير، ولو أن الحياة اقتصرت على ‏الشر لما كان عليه إثم باتباعه الشر، إلا أن وجود النقيضين معا هما المعيار الذي يعرف بهما المؤمن من ‏الكافر، والعاقل من الجاهل، والصالح من الجاهل، فيكون جزاء الأول الجنة وجزاء الثاني النار.‏

وبما أن القاعدة تقول بأن الخير يرافقه الشر، والليل يتبع النهار، والموجب مرتبط بالسالب، فلماذا لا ‏نمتثل لأمر الله ونختار طريق الخير في كل ناحية من نواحي حياتنا سواء أكان ذلك عن طريق عمل جيد، أو ‏علم نافع، أو سلوك حسن، أو معلومة مفيدة، أو خلق قويم! ولماذا لا نعلم أبناءنا منذ الصغر التمسك بطريقة ‏واعية غير تعصبية بقرآنهم الحكيم وسنة نبيهم الشريفة، وثقافتهم الإسلامية الحميدة، ليميزوا بها بين الخير ‏والشر والنافع والضار! لم لا نربيهم على أن يجعلوا من ضميرهم الرقيب على تصرفاتهم وأخلاقهم، ولا يجعلوا ‏الناس الآخرين التحكم بهم واللعب بعقولهم وبعواطفهم ذات اليمين وذات الشمال، سيما وأن المبادئ التربوية ‏المتمثلة بالوعي، والتحكم، والضبط، والتوجيه، أضحت أهم مبادئ التربية الحديثة التي تعلم في المؤسسات ‏وتربي الإنسان على مستوى العالم بأن يكون الموجه الأول لنفسه، وأن يكون ضميره هو الحكم على تصرفاته ‏لقوله تعالى: ( كل نفس على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)، إذ أننا بمثل هذه التربية نستطيع أن نتغلب على ‏مساوئ الإنترنت ومضاره الذي لا سيطرة لنا على أصحابه، ولكن بالتأكيد يظل لنا سيطرة على أنفسنا وعقولنا ‏التي هي المسؤولة عن تصرفاتنا وطريقة حياتنا.

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.