هل تخضع نفسك للتقييم؟

أرى أنه من الضروري أن يخضع الإنسان نفسه للتقييم وينقدها ويغربلها ويحاسبها بين ‏الحين والآخر، ومن المهم أن ينظر إلى أعماق نفسه بمجهر مكبر ليسبر غورها، والوقوف على ‏دهاليز فكرها وسراديبها، ومعرفة ما اختبئ في تلافيفها من خير أو شر، وقبح وجمال، وصلاح ‏وطلاح، ونجاح وإخفاق، وفيما إذا كان مخطئا في تصرفاته أم مصيبا، سليما أم معوجا، متهورا أم ‏مترويا، منطقيا أم هوائيا، وفيما إذا كان يسير في حياته وفق الأخلاق والأصول، أم يتجه نحو ‏الهاوية، حيث أن كثيرا من الأخطاء التي يرتكبها الإنسان، إذا ما فتش عنها، يجدها قابعة في ‏أعماق نفسه، وليس في تصرفات الناس الآخرين.‏

‏ من هنا، فعملية إخضاع النفس للتقييم والنقد، لهي حاجة ضرورية وملحة كالطعام ‏والشراب، ويحتاجها كل فرد باستمرار، ليقف على حقيقة نفسه، ويعرف نقاط قوته وضعفه، وما ‏الأمور التي نجح فيها وأخفق، وفيما إذا كان سائرا في الطريق المستقيم أم منحرفا في طريق الغلط ‏أعمى أصما لا يرى ولا يسمع، وفيما إذا كان لديه هدف واضح في الحياة أم أنه يعيشها بعبثية ‏مشتت الأهواء والنزعات! بمعنى آخر، على الإنسان أن يعرف ما له وما عليه في هذه الحياة ‏سواء أكان لدى تعامله مع الآخرين، أو في أثناء القيام بعمله، أو حتى لدى التعامل مع أهله ‏وأصدقائه ومحبيه وشركائه والمقربين إلى نفسه.  وما كل ذلك إلا من أجل أن يعرف نفسه ويحكم ‏عليها ويتخذ القرار المناسب بشأن علاقاته، ومن ثم اتخاذ الإجراء المناسب الذي يعالج ضعفه، ‏ويدعم نقاط قوته ونجاحاته.‏

التقصير في المسؤوليات

فمثلا إذا عرفت أنك مقصر في القيام بمسؤولياتك، فعليك أن تضاعف جهدك لكي تقوم ‏بها وتؤديها على خير ما يرام؛ وإن اكتشفت أنك فظ غليظ القلب في تعاملك، فعليك أن تنظر في ‏طريقة تصرفك حتى تكون لطيفا تغفر وتسامح، وألا ينفضوا الناس من حولك؛ وإن شعرت أنك ‏تتكلم أكثر من اللزوم ومعظم كلامك ليس في محله، فحاول أن تعد للعشرة قبل أن تنبس ببنت ‏شفة، وأن تزم شفتيك وتمضغ كلماتك قبل أن تتفوه؛ وإن كنت تكثر من كلمات المدح والإطراء، أو ‏الذم والنكران بمناسبة أو غير مناسبة، فحاول أن تقلل منها ولا تستخدمها إلى في وقتها ومحلها ‏وبالقدر الذي يتناسب مع فعل صاحبها حتى لا تعطي معنى غير الذي قصدته منها؛ وإن اكتشفت ‏أنك لا تلتزم بالمواعيد، كثير المراوغة والمماطلة والتسويف، فعليك أن تعود نفسك على النظام، ‏وأن تضع لنفسك جدولا تتوخى فيه الصدق والأمانة والالتزام؛ وإن اكتشفت أنك شخصية غامضة ‏لا تحسن التعبير عن نفسك، فتزعج غيرك وتجعلهم يسيئون فهمك أو يأخذوا صورة صورة مشوهة ‏عنك، فكن صريحا باعتدال وصارحهم بالأمر حتى يعرفوا طبعك ونمط شخصيتك؛ وإن كنت ‏معطاء أكثر من اللزوم، أو ممسكا لدرجة البخل والجنون، فوازن بين عطائك وإمساكك وقيم ‏مصاريفك ومسئولياتك حتى لا تقعد ملوما محسورا…الخ من الأمثلة التي يجب أن يخضع فيها ‏الفرد نفسه للتقييم.‏

عملية التقييم ليست سهلة

وعملية التقييم هذه ليست عملية سهلة، ولا كل إنسان قادر على القيام بها، بل لا بدّ أن ‏يكون على قدر كاف من الذكاء واللباقة والعلم والمعرفة والوعي والإدراك، إذ أنها تحتاج إلى ‏إعمال العقل بمنطق، ومراجعة النفس بموضوعية، والنظر في التصرفات والكلام والأفعال بعين ‏ثاقبة، وذلك من أجل أن يتوصل إلى النتائج والأحكام التي تساعده على معرفة نفسه، والوقوف ‏على المخفي فيها من خير أو شر، وظلم أو عدل، ومن ثم إجراء العمليات الجراحية اللازمة ‏لأورامه السرطانية، وإزالة الزوائد والنتوءات التي علقت في روحه وعقله وتصرفاته، وتخليص ‏جسده ونفسه من الأمراض، وتنقية دمه من الشوائب، ورئتيه من الهواء الفاسد، حتى يعيش بهناء، ‏مرتاح النفس، هادي البال، هادي الضمير. ‏

إن إخضاع النفس لعملية المحاسبة والمكاشفة والنقد والتقييم، مع تقبله في الوقت ذاته ‏لنقد الآخرين وخاصة إذا كانوا له محبين صادقين مخلصين، لهي ضرورة ملحة وتزداد أهمية ‏وخاصة في هذا العصر الذي نعيش الذي يتعقد فيه سلوك الإنسان يوما بعد يوم، وتظهر فيه ‏مفاهيم ومبادئ جديدة مغايرة غير التي اعتنقناها، وتصرفات غريبة غير التي اعتدنا عليها، عصر ‏ينمو فيه عقل الإنسان ويكبر باضطراد، وتزداد معلوماته وتغزر خبراته بشكل مدهش؛ مما ‏يستوجب معه النقد والموازنة والغربلة وتقييم النفس.‏

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.