أنا إنسانة تؤمن بالتخطيط، وتحب إدارة الوقت، وتحترم القانون، وتعبد النظام في جميع شئون حياتها، وما محبتي للتخطيط والدراسة المسبقة إلا لأنني أومن بما يحققه التخطيط وإدارة الوقت في تحقيق الأهداف والطموحات في الوقت المناسب ما لم يستطع أن يحققه الإنسان غير المنظم الذي يعيش بعبثية وعشوائية دون تخطيط، والتخطيط يجب أن يكون ضمن فترة زمنية معينة، وإلا لما يسمى تخطيطا، بل عملا عشوائيا تحكمه الصدفة والحظ والقدر.
لذا، دعني أوجه لك عزيزي القارئ بعض الأسئلة: هل تضع جدولا لأعمالك، وهل تعرف مسبقا ما الذي عليك عمله في يومك وأسبوعك، وما الذي تود أن تنجزه في شهرك وسنتك؟ بل، وهل تعرف ما الذي تودّ أن تحققه على مدار حياتك؟ فإن كنت تخطط لحياتك وتضع جدولا لأعمالك أولا بأول، فأنت إذن إنسان منظم ودقيق، تربط بين ماضيك وحاضرك ومستقبلك بشكل واع، وواثق بنفسك وقدراتك، وتتصف بشخصية مستقلة تعرف ماذا لك وماذا عليك، وتعرف نقاط ضعفك ونقاط قوتك أيضا، وما الذي تريده من حياتك بشكل عام. فالتخطيط يشعرك بأنك إنسان وناجح ولك قيمة وقدر ولم تأت عبثا على هذه الحياة، وإنما لتأدية دور أعده الله لك. أما إذا كنت تعيش بعشوائية دون هدف واضح أو تخطيط مسبق، وتقضي أيامك بكسل وروتين قاتل، فأنت إذن إنسان فوضجي، لا تدرك قيمة الوقت، ولا تعرف قيمة العمل وحلاوة الإنجاز، وما الذي تريده وما الذي لا تريده، والحياة ليس لها قيمة عندك. وشتان ما بين الإنسان المنظم والإنسان غير المنظم، وشتان ما بين الإنسان المنتج والإنسان غير المنتج، وبين الذي يعرف ما الذي يريده والذي لا يعرف، فالفرق بينهما شاسع، والبون كبير ونتائج أعمالهما مخلتفة.
من هنا، فما أجمل من أن يضع الإنسان جدولا لأعماله، وما أحلاه وهو يلونه بالأهداف المتنوعة فيصبح هاديه ومرشده، يعلمه كيف يستغل وقته، ويشغل نفسه بما يفيد، وتصبح الأهداف التي رسمها شموسا وأقمارا تلمع وتشع أمام ناظريه، وتدغدغ مشاعره ووجدانه، وتلون أحلامه بقوس قزح تحثه على العمل، وتجعله يعيش الحياة بسعادة وهناء كلما حقق هدفا وانتهى منه وتقدم إلى غيره.
أهمية رسم جدول الأعمال
وتزداد أهمية رسم جدول الأعمال كلما ازدادت مسؤولية الإنسان وازدادت خطورة موقعه وحساسيته؛ لأنه في هذه الحالة يشعر أنه مكلف ليحقق العمل الذي اختاره له الآخرون، والقيام بالمسؤولية التي حملوه إياها. فالإنسان في النهاية ما هو إلا عقل ومشروع عمل يجب أن ينجز في الوقت المحدد، وهاتان الصفتان تحتاجان إلى التخطيط والدراسة المسبقة للأعمال التي سيقوم بها والأهداف التي سيحققها، على المدى البعيد والمدى القريب أيضا في كل يوم وأسبوع وشهر وسنة، لا أن يمضي حياته هدرا دون تحقيق غاية ينشدها، أو هدفا يسعى إليه.
لذا علينا، وإذا ما رغبنا أن نكون ناجحين في حياتنا، أن نرسم جدولا لأعمالنا ونخطط لحياتنا ونعرف كيف ندير وقتنا بحيث نخصص فيه جزءا للمهنة، وجزءا للعلم، وجزءا للمطالعة، وآخر للراحة، وخامس للعلاقات الاجتماعية، وسادس للترفيه عن النفس..الخ من الأعمال التي تتطلبها الحياة؛ وذلك حتى تصبح الحياة في نظرنا لها قيمة وذات معنى ونابضة بالعمل والإنتاج ومليئة بالعلم والتطور والسعادة والهناء، وخاصة في هذا العصر التقني الذي تتسارع فيه الأحداث ويزداد التنافس والتفجر السكاني والمعرفي يوما بعد يوم، مما يدفع الإنسان للتخطيط والسبق لاكتساب العلم والمعرفة والمهارة، وذلك حتى أن يجد لنفسه نقطة تحت ضوء الشمس، متمثلة في وظيفة يشغرها، أو صنعة يصنعها، أو علم ينشره، أو كتاب يؤلفه، أو عمل خير يقوم به، أو مهارة يؤديها جميعها تسهم في تطور مجتمعه وتقدمه.

كاتبة وأديبة، ومحاضرة في قسم أساليب التدريس والدراسات العليا في كلية التربية/ جامعة النجاح الوطنية