ها هم أبناؤنا الطلبة يعودون إلى مدارسهم وجامعاتهم والأمل يحدوهم بأن يكونوا طلاب ناجحين مفكرين مبدعين. ها هم يعودون وهم يحلمون بأن يكونوا عماد المستقبل وعدة الأمة ليبنوا وطنهم ويطوره بما فيه الخير لهم لشعبهم ووطنهم وأمتهم. ها هم يعودون إلى مقاعد الدراسة وهم يحملون في مخيلتهم صورا جميلة، وفي أفكارهم أحلاما عريضة، وبين جوانحهم مشاعر فياضة وحب كبير لمدارسهم ومعلميهم ورفاق صفهم، ومتطلعين لأن يكتسبوا علما نافعا، وخلقا قويما، ومهارة فاعلة تفيدهم في حياتهم. ها هم أبناؤنا الطلبة يعودون إلى مدارسهم وجامعاتهم وكلهم استعداد لأن يقرأوا ويكتبوا ويبحثوا يتعلموا كل ما من شأنه أن يعود عليهم وعلى مجتمعهم ووطنهم وأمتهم بالنفع والفائدة؛ فماذا أعددنا لهم؟ وكيف علينا كمعلمين ومدراء أن نستقبلهم ونبدأ العام الدراسي معهم؟ هل نبدأه بالتدريس مباشرة وإعطائهم العلم، أم نجعل الأيام الأولى عبارة عن تهيئة نفسية (Orientation day) تساعدهم على استقبال عامهم الجديد بنفسية حلوة، وعقل متفتح، وطاقة شاحنة، وإصرار على والتعلم والنجاح كبير ؟
يقول علماء النفس، إن الأيام الأولى من العام الدراسي الجديد يجب أن تكون أيام تهيئة نفسية واستعداد للدراسة، بحيث نجعل منها أيام سعادة ووئام وانسجام، أيام يتلاقى فيها المعلمون والطلبة والمدير وجميع أسرة المدرسة، فيتعارفون على بعضهم البعض، ويهيئون طلبتهم نفسيا وماديا للدراسة وبدء العام الدارسي الجديد. وبالتالي، فمن الأفضل للمعلم ألا يدرس في اليوم الأول أو الأيام الأولى من بداية العام الدراسي، بل يجعلها أيام تهيئة نفسية وتعارف واستكشاف، يتعرف فيها على طلبته، ومستوى استعدادهم الدراسي، وخلفيتهم الأكاديمية، والثقافية، وأوضاعهم الأسرية والإجتماعية والإقتصادية، وما المواد التي تفوقوا بها، وما المواد التي قصروا في استيعابها، وما الأنشطة التربوية التي يحبونها، وما الأنشطة التي ينفرون منها، وأين كانت نقاط قوتهم، وأين كانت نقاط ضعفهم؟ وقد يوزع المعلم لهذا الغرض استبانة لكي تساعده على جمع مثل هذه المعلومات، بحيث يستطيع بناء عليها أن يختار الأسلوب التدريسي المناسب، ويحدد المراجع والأدوات والوسائل والأنشطة التربوية الملائمة للطلبة والمادة الدراسية. وقد يجعل المعلم الأيام الأولى من العام الدراسي للتمهيد للمادة التي سيدرسها، وأن يستعرض مع طلبته بشكل مختصر محتواها، وأهدافها التعلمية، وأنشطتها التربوية، ووسائلها التعليمية، ويذكر لهم قيمتها التربوية، والفائدة المرجوة منها، ومدى ارتباطها بحياتهم العملية والمهنية. وقد يبدأ المعلم الحصص الأولى من العام الدراسي أيضا بعمل شيء من شأنه أن يحبب الطلبة في العلم والمعلمين والدراسة، ويقوي انتمائهم للمدرسة والمجتمع، كأن يتكلم عن إنجازات المدرسة، وتاريخ تأسيسها، والطلبة المتفوقين فيها، والطلبة الذين تخرجوا منها وأصبحوا قادة وعلماء وأساتذة وأعضاء نافعين في المجتمع.
وقد يطلب المعلم من الطلبة ما تحتاجه المادة الدراسية من دفاتر وأقلام وكراسات ومراجع وأنشطة وغيرها من الأدوات والمواد والوسائل والمراجع التي تساعدهم على درساتها بالشكل الصحيح. وقد يكرس المعلم جزءا من الحصص الأولى للأناشيد الوطنية والأبيات الشعرية التي تشيد بالعلم والعلماء والتاريخ والوطن وكل ما من شأنه أن ينمي عاطفة الإنتماء للأرض والوطن.
وبالنسبة للمدير، فقد يبدأ العام الدراسي بتفقد أحوال المدرسة ومرافقها وما ينقصها من أدوات ومواد حتى يعمل على توفيرها في أسرع وقت. وقد يستقبل المعلمين ـ وخاصة الجدد ـ ويعرفهم على المدرسة ومرافقها من صفوف، ومكتبة، ومختبرات، وساحات، ومقاصف، ويعرفهم أيضا على زملائهم من المعلمين وخاصة الذين يدرَسون نفس الموضوع، بهدف التعاون والاستفادة من خبراتهم كونهم أقدم منهم خبرة في سلك التعليم. وقد يعقد الإجتماعات الإدارية التنظيمية مع المعلمين ليعرفهم من خلالها على جداول تدرسيهم، وصفوفهم، وطلبتهم، وواجباتهم، والأنشطة المطلوبة منهم خلال العام. هذا إلى جانب ضبط النظام في المدرسة وإطلاع المعلمين والطلبة على قوانين المدرسة وما الأشياء التي عليهم الإلتزام بها، وما الأشياء التي عليهم تجنبها والإبتعاد عنها، سواء لدى تعاملهم مع زملائهم من المعلمين، أو لدى تدرسيهم الطلبة. كل ذلك يجب أن يتم بروح سمحة، ووجه طلق، ورفق في التعامل، وأسلوب ديمقراطي مبني على الإحترام والتقدير والتعاون والثقة، وذلك بهدف إنجاح العملية التعليمية وتحقيق أهدافها لكي يجعل من مدرسته مدرسة ناجحة تؤدي رسالتها على خير وجه وأكمله.
إذن، فالأيام الأولى من العام الدراسي يجب أن تكون أيام تهيئة واستعداد نفسي لكل من الطلبة والمعلمين والعاملين في المدرسة لا أيام تدريس وعبئ وواجبات تنفر الطلبة والمعلمين من التعلم والتعليم. فالإستعداد النفسي والتهيئة وخاصة في الأيام الأولى من العام المدرسي من شأنه أن يحبب الطلبة بالمدرسة ويشحنهم بالطاقة الخلاقة ويجعلهم يقبلون على العلم والدراسة بكل حب وشوق وأمل. كما يحبب المعلمين أيضا بالتدريس والإقبال على التعليم بكل همة ونشاط وإخلاص وانتماء؛ مما يجعل جميع أعضاء المدرسة كأسرة واحدة متحابين متفاهيمن متعاونين مخلصين منتمين، هدفهم تعليم الطلبة والإرتقاء بهم، والنهوض بالعملية التعليمية إلى أعلى مراتب العلا.

كاتبة وأديبة، ومحاضرة في قسم أساليب التدريس والدراسات العليا في كلية التربية/ جامعة النجاح الوطنية