في أولِ لقاءٍ بيني وبينها ، وبعد مرور ستة عشرعاماً وأنا في ذهني أملٌ بأنني سأراها وجهاً لوجه ،كانت جميلةً جداً ؛ أكثر بكثيرٍ من الصُوَرِ وكانت شامخة محصنة ، قابلتني بابتسامةٍ كجمالها ،وفتحت لي بابها نظرتُ إليها والشوق يملأ قلبي ، وقلت لها : أخيراً يا جميلتي التقينا وتحققَ الحلم الذي انتظرته كثيراً . دخلتُ لأتمشى في أنحائها ، شعرتُ بدايةً أني غريبٌ عنها ،لأن هذه أول مرة أُشاهدُها ،وبالأخصِ من داخلِها وإذا بي أسمعُ أنيناً ، ولا أعلم مصدرهُ ،كأنه يعِمُّ أنحائها ، فرأيت فجأةً جنوداً يغللونها بالقيودِ ، ويتحدثون بلغةٍ لا أفهمها ، ولا أعرف لماذا يفعلون بها ذلك ، ولكن الذي فهمته أن جميلتي تعاني ، وهؤلاء هم سببُ معاناتها ، فلم أستطعْ مقاتلتهم لآنني وحيدٌ وهم كثيرون ،وأنني مجردٌ من السلاح ، ولكن رغم كل ما يفعلونه بها إلا أنها تبقى جميلةً جداً
فركضتُ مسرعاً إلى قلبها لأخفف من آلامِه ، وللآثبت لها أنني قريبٌ منها وأنني لست مثلهم ولا أريدُ أذيتها ،فلما وصلتُ قلبها ورأيته ، هالني جماله ، فلقد كان على شكل قُبةٍ يكسوه الذهب وآياتٍ قرآنية ،
ففتحت لي باب قلبها ، وعند دخولي سمعتُ أصواتاً تعلو وتقول :
” قد حان موعد صلاة العصر ، الله أكبرالله أكبر ” .فأتممت الصلاة وصليت أيضاً أربعين ركعةً تقرباً لله ، فلقد كان قلبها مميزاً والصلاة فيه تعادل خمسَمِئة صلاة ، فكنت أتمنى أن أصلي مئة ركعة ولكن الوقت لم يسمح لي بذلك ، وبعدها ذهبت مجدداً لأتمشى في أسواقها ، ورأيت بائعَ الخبز وكانت رائحة الخبز تفوح من بعيدٍ لشهيته ،فأكلت منه وكان أطيب خبز تذوقته في حياتي ، وبعدها بقليل جاء الخبر بأن أغادر القدس ولقد حزنت كثيراً والدموع كانت على أبواب عيني لهذا الخبر ، فأنا بالعادة لا أحب أن أترك قريتي ، ولكن للمرة الأولى التي تمنيتُ بأن أبقى هنا وشعرت بأن ييتي هو هنا وهنا كل شيء يخصني ، فعند خروجي منها خطر بذهني متى سيكون اللقاء مجدداً ودعوت الله قائلاً : يا ربِّ احمِ القدسَ وبلادنا من المحتل الظالم ، وابعث لنا رجلاً كصلاح الدين ليعيدها لأهلِها ، وارزقني الصلاة فيها مجدداً .
بقلم: صابر مدلل