‏”حِجلُ الطيور”… جواز سفر فلسطيني يخترق كل الحدود

تقرير: ربا عبد الحق

‏ ساقه الوردية الناعمة ذات الأصابع الأربع، تحمل جواز سفر فلسطيني صغير، يعبر به القارات ‏وينتقل من مدينة لأخرى ويخترق كل الحواجز، ليكون خير ممثل لحرية الشعب الفلسطيني، ‏وأحقيته في أرضه كواحدة من أكثر البقع تنوعاً حيوياً على وجه المعمورة.

‏ تلك العملية التي تحيط رجل الطير بحلقة صغيرة وتحمِّله رمزاً فلسطينياً ليثبت به أمام العالم أنه ‏مرَّ على هذه الأرض خلال رحلة هجرته الطويلة، تسمى “تحجيل الطيور”، حيث يقوم فريق ‏مختص بصيد الطيور المهاجرة بشباك خاصة تنصب لها قبل بزوغ الفجر، وعندما تمسك يعطى ‏كلاً منها رقماً تسلسلياً محفور على حلقات معدنية تحمل اسم فلسطين، ثم تؤخذ له قياسات علمية ‏مختلفة مثل طول الجناح والوزن ونسبة الدهون في الجسم قبل إطلاق سراحه، وبالتالي حين يقع ‏هذا الطير في أي محطة تحجيل بالعالم يتم تبادل المعلومات والأبحاث حوله بين الفلسطينيين ‏والدولة التي استضافته.

‏ يشير المدير التنفيذي  لمركز التعليم البيئي سيمون عوض، إلى الأهداف المنشودة جرّاء عملية ‏تحجيل الطيور، متمثلة في رفع مستوى الوعي المجتمعي لأهمية فلسطين وتنوعها الحيوي، ‏وتشجيع البحث العلمي في الساحة الخضراء، كما أنه تطرق لذكر أبعادها  التربوية العظيمة، ‏حيث يأتي طلاب المدارس والجامعات من كل مكان لمشاهدة هذه العملية وفهمها بشكل صحيح ‏وهذا يخلق لديهم حافزاً قوياً لوقف الصيد الجائر للطيور وبدء التعاون مع البيئة من حولهم. 

‏ يتابع عوض: “التشبيك يعتبر الفائدة الأكبر التي تعود علينا كفلسطينيين، فدخول مركز التعليم ‏البيئي كأول شريك عربي في منظمة الطيور الأوروبية ‏SEEN، وكون فلسطين هي أول دولة ‏عربية بدأت في عملية التحجيل في عام 2000 هذا يفسح لها المجال أمام دخولها الشبكة العالمية ‏الواسعة لتبادل المعلومات والخبرات عن جميع أنواع الطيور في العالم”.

‏ وفي حديثه عن أثر التحجيل على السياحة البيئية يقول: “طائر لا يتجاوز وزنه 10 غرامات فتح ‏لنا آفاق سياحية جديدة، وساهم في توقيع اتفاقية تعاون فلسطيني بولندي لمدة 15 عاما”. ‏

‏ وفي هذا الصدد يدشن مركز التعليم البيئي التابع للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم بالتعاون ‏مع سلطة جودة البيئة، وشبكة الطيور الأوروبية ‏SEEN، أسبوعا لمراقبة الطيور وتحجيلها من ‏كل عام، بحضور باحثين ومهتمين بالبيئة وإعلاميين وطلبة مدارس وجامعات والعديد من الوفود ‏الأجنبية، ويتضمن الأسبوع ورش عمل وجولات تعريفية بجميع أنواع الطيور وبأساليب ‏دراستها.

تحديات وصعوبات

‏ معيقات كثيرة تواجه الطاقم المختص بالتحجيل، بداية من الاحتلال الإسرائيلي فهي تتمثل في ‏مسائلة أي شخص لمجرد حمله للمنظار أو الكاميرا ووضعه في دوامة تحقيقات بلا نهاية، ما ‏يجعل المختصين والباحثين يترددون كثيراً قبل القيام بهذه العملية.

‏ كما أن تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة لأراض (أ) و(ب) و(ج) حسب اتفاقية “أوسلو” يترتب ‏عليه صعوبة الوصول للكثير من المناطق التي تزخر بالثروة الطيرية، نظراً لانتشار ‏المستوطنات والنقاط العسكرية والحواجز، إضافة إلى منعهم التام من دخول أراض عام 1948.

‏ ولا تقتصر المعيقات على الاحتلال وإنما تتعداها لممارسات مجحفة لبعض المواطنين بحق ‏أرضهم وطيورها، فعملية الصيد العشوائية والجائرة وقطع الأشجار كلها مسببات لتراجع نسبة ‏الطيور المهاجرة أو المقيمة في بلادنا والمعروفة بأنها ثاني أكبر دول العالم من حيث أعداد ‏الطيور التي تمر فوقها، فتشير الإحصائيات أنها تقدر بـ 500 مليون طائر سنوياً موزعة على ‏‏530 نوع .

التحجيل والقانون

‏  من جهته يبين المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة مراد المدني، أن فلسطين تلتزم بالمعايير ‏المعتمدة لدى المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة بالتحجيل، لأن الدستور الفلسطيني يقتصر ‏على قانون الصيد والأنظمة الملحقة به ولا يتطرق للتحجيل مع الفارق الكبير بينهما، حيث أن ‏الثاني ذات دواع علمية ودراسية تهدف إلى التوثيق الرسمي وليس بدواعي احتجاز الطائر فقط ‏لذلك فهو يحتاج إلى تشريعات خاصة به.‏

ويضيف المدني: “من ناحية إدارية لا يجوز التحجيل إلا من مؤسسات معترف بها وبقدرتها ‏العلمية والفنية لممارسة هذه المهمة، حيث تعطى رخصة قانونية تخولها لذلك، فلا يسمح لأي ‏جهة لا تملك الخبرة بالقيام بها”.‏

رسالة إعلامية

ويركِّز علاء كنعان من دائرة العلاقات العامة والإعلام في سلطة جودة البيئة برام الله، على ‏الرسالة الإعلامية التي تحملها عملية التحجيل للمجتمع، حيث يعتبرها ذات مغزىً حضاري ‏وتربوي، فهي تدعو الجمهور إلى حماية إرثنا الوطني من الطيور، من خلال تعريفهم على أهمية ‏هذه العملية على المستويين المحلي والعالمي في وسائل الإعلام، وبالتالي تخلق لديهم دافعاً ‏لإصباغ الهوية الفلسطينية على الطير ثم إطلاق سراحه بالهواء من  جديد.‏

‏  كما يعدَّ كنعان مشاركتنا في تحجيل الطيور إثراءً للعلاقات الدولية الفلسطينية مع البلدان التي يتم ‏تبادل التجارب والخبرات معها، فهي تسهم في التطوير والمناداة لحماية البيئة الفلسطينية من ‏الاستهداف الإسرائيلي الممنهج ضدها. ‏

غياب الإعلام البيئي

من الملاحظ ضعف اهتمام الإعلام الفلسطيني بالبيئة بشكل كبير، حيث تشير بعض الإحصائيات ‏التي أجريت عام 2008 أن الإعلام البيئي يأخذ مساحة لا تتجاوز 1% من الصحف الفلسطينية.

‏ كما أن الناظر لحال الكليات الإعلامية في جامعاتنا الفلسطينية يجدها بعيدة كل البعد عن ربط ‏الإعلام بالبيئة، أو تخصيص مساحات للقضايا البيئية المحيطة.‏

وفي هذا السياق ترجع طالبة الإعلام شذى غضية غياب مساقات الإعلام البيئي في جامعاتنا إلى ‏ضعف اهتمام الشارع الفلسطيني بالبيئة بشكل عام، وقلة الخبراء في المجال، واتجاه الإعلام ‏الفلسطيني نحو قضيتنا الشائكة، التي احتلت 90% من المواد الإعلامية، بالتالي فقر التوجه إلى ‏الأمور التي تعتبر ثانوية للبعض وأساسية لذوي التخصص.‏

وتضيف غضية: “يمكننا فتح مساحة خضراء في الساحة الإعلامية الجديدة من خلال تسليط ‏الضوء على المناطق الجغرافية المهمشة والمهمة في الوقت ذاته، التي يمكن أن تعتبر نقطة ‏حساسة للرفع من القيمة السياحية للبلد، من خلال نقل الصورة الجميلة والمزهرة عنها، كما ‏يمكنننا عقد مؤتمرات صحافية تخص البيئة واستدعاء ذوي الخبرة والتخصص في هذا المجال، ‏لإثراء النقاشات أكثر”.‏

معلومات عن التقرير

إعداد: ربا عبد الحق

إشراف: أ.أيمن المصري/ قسم الصحافة المكتوبة والإلكترونية

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.