عانت البشرية منذ القدم من مجموعة من الأمراض والأوبئة القاتلة، التي تفشت في الأوساط الاجتماعية، على نحو جعل دولاً عظمى تقف عاجزةً أمام الضحايا والأعداد الكبيرة من الموتى.
وقد حظيت هذه الأمراض بتنوع كبير، من حيث البنية، والمواطن التي انتشرت فيها، وحتى طريقة انتقالها وفتكها بالمصابين، لكنها اشتركت في خاصية الانتقال السريع، والفتك بمختلف المصابين في مختلف المناطق عبر العالم، منذ أول وباء عرفه التاريخ في سنة 430 قبل الميلاد ، في الحرب التي اندلعت بين حلفاء أثينا وحلفاء إسبرطة والذي عُرف بطاعون أثينا .
ظلت أسماء مجموعة من الأمراض خالدة إلى اليوم، مرتبطة بحقب زمنية مختلفة، ومعبرة في نفس الوقت عن أن العقل البشري والقدرة الإنسانية، تظل عاجزة عن الصمود أمام مثل هذه الأحداث، مهما تطور الطب، ونهضت المعرفة.
وخيرُ الأدلةِ على ذلك الفيروس الأخير الذي انتشر في العالم بشكل سريع، وهو فيروس كورونا، الذي عجز الطب عن اكتشاف لقاح أو دواء يقضي عليها منذ أول ظهور له قبل خمسة أشهر وأكثر بقليل، مثله مثل عديد من الأمراض التي انتشرت منذ القدم كالطاعون الأسود، وطاعون جيستيان، و الجدري وغيرها.
في هذا المقال سنسلط الضوء على بعض هذه الأمراض القاتلة والمشهورة عبر التاريخ، وسنحاول بقليلٍ من التفصيل الحديثَ عن أشد أنوعها .
الأمراض قتلا في تاريخ البشرية:
داء السل:
بحسب منظمة الصحة العالمية ف إن عدد ضحايا مرض السل في عام 2018 يقدر بحوالي المليون ونصف من فئة الأطفال فقط توفى منهم حوالي 251 ألفاً .
مرض السل بالإنجليزية Tuberculosis ، وهو مرض تنفسي ينتقل بالهواء والتماس المباشر مع المريض .
يتفشى في كامل الجسم بواسطة الغدة اللمفاوية والدم
تسببه جرثومة تدعى (المتطفرة السلية) أو عصية الكوخ نسبة لمكتشفها روبيرت كوخ التي تنتقل عبر الجهاز التنفسي إلى اجزاء اخرى من الجسم، حتى تصبح أكثر قوة داخل جسم الإنسان ومن ثم تفتك به، إذا لم تتم معالجته مبكرا وبشكل منتظم وكامل.
و تختلف أنواع السل من نوع إلى آخر، وتتباين من حيث الخطورة والفتك ( بحسب مناعة المضيف ) ، فإذا تحدثنا عن السل الكامن، فهو نوع من السل يتسلل إلى جسم الإنسان، ولا تظهر عليه أية أعراض تدل على المرض، ولهذا عندما يعاني الشخص يعاني من ضعف الجهاز المناعي، فإن هذه الجرثومة ستصبح أكثر قوة .
وهذا ما يفسر المعطيات التي تقدمها منظمة الصحة العالمية، التي ذكرت أن ثلث سكان الأرض مصابون بالسل، غير أن معظمهم لا تظهر عليهم أعراض، ولكن قد يكونو كالقنابل المؤقتة في حال تعرضو لأي عوزٍ مناعي .
أما السل النشط، وهو أكثر انتقالا، وفتكا إذا لم تتم معالجته مبكرا، ويوجد النوع الأكثر قوة وفتكا، وهو السل المقاوم، الذي ظهر بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن قضائها على مرض السل نهائيا، بعد اعتماد عمليات العلاج الكيميائي، وهذا النوع خطير جدا ولا يزال مرضا قاتلا إلى اليوم، وتتجلى أعراضه في السعال والحرارة المرتفعة وينتقل عبر الهواء بواسطة السعال.
الطاعون:
وهو سلسلة أمراض قاتلة ظهرة في فترات تاريخية مختلفة نعرف بأشهرها.
الطاعون الأسود 1347/1352:
ويعتبر من أكبر الأوبئة عبر التاريخ وأكثرها فتكا، حيث قتل ثلث سكان أروبا آنذاك، بل وصل في آسيا وغيرها من المناطق، حيث كان ينتشر عبر براغيث الفئران المستوطنة للسفن التجارية، واستمر لفترة طويلة، بل كانت الجثث تلقى الطرق ولا يستطيع احد الاقتراب منها.
طاعون أثينا 430 قبل الميلاد:
تسبب هذا الطاعون في قتل ما بين 75 ألفا و100 ألف، وقد دخل عبر الميناء الذي يعتبر نافذة تجارية وغذائية دولية آنذاك، وعرف انتشارا في شرق البحر الأبيض المتوسط أيضا، وعرف موجة ثانية وثالثة بعد ذلك.
طاعون مصر الأسود 1347/1349:
تذكر التقارير أن هذا المرض قضى على 200 ألف مصري آنذاك، وانتشر عبر القوافل التجارية الخارجية، وكانت القاهرة تلقي كل يوم 800 جثة خارج أسوارها دون تكفين أو غسل أو صلاة، نظرا لقلة الموارد، وقوة الوباء.
الإنفلونزا الإسبانية:
وتعد من أكثر الأمراض فتكا عبر التاريخ، حيث ظهر بإسبانيا في بداية القرن العشرين تحديدا سنة 1918، واستطاعت أن تصيب نحو 500 مليون شخص، وقتل 50 مليون شخص عبر العالم.
كانت الفترة التي ظهرت فيها الإنفلونزا الإسبانية هي فترة الحرب العالمية الثانية (أو في نهايتها) ، لذلك كان العالم منشغلا عنها، مما جعل ضررها كبيرا وضحاياها كثرا، لكن مع مرور الوقت تم حصر انتشارها واختفت .
فيروس كورونا:
الفايروس المشهور ب كوفيد 19، وهو فيروس من سلالة الفيروسات التي تصيب الإنسان والحيوان وتسبب له مضاعفات خطيرة، شبيهة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي ظهرت في السعودية عام 2013 والتي تعرف ب ( ( MERS-COV أو فايروس الكورنا القديم .
وتتشابه أيضا مع المتلازمة التنفسية الحادة أو ما يعرف ب SARS من ناحية الأعراض وقوة الإنتشار .
ولا زال العلماء يحاولون دراسته من أجل الوصول إلى لقاح يقضي عليه.
مرض كوفيد 19 من سلالة فيروسات كورونا الشهيرة، وقد ظهرت هذه النسخة في شهر ديسمبر من السنة الماضية، بمدينة ووهان الصينية، حسب ما تشير التقارير، وعرف انتشارا في جميع دول العالم، وقاراتها، وتتمثل أعراضه في الحرارة المرتفعة، الصداع القوي في الرأس، والسعال الجاف، وينتقل عبر الرذاذ الذي يصدر عبر السعال، وينتقل عبر الهواء إلى الأشخاص الآخرين.
توصي وزارة الصحة العلمية بترك مسافة الأمان بين جميع الأشخاص، تجنبا لانتقال المرض، كما توصي بارتداء الكمامات، واستعمال المعقمات اليدوية، وقدم تم إعلان حالة الطوارئ، والحجر المنزلي، في مجموعة من دول العالم في الفترة الأخيرة.
وصل عدد المصابين في العالم اليوم أكثر من 6 مليون مصاب، وأكثر من نصف مليون ضحية .
نسبة الشفاء من فايروس كورنا تتخطى 50% عالميا، ولكن مع ذلك لا زال مرضا خطيرا وقاتلا، وتخشى منظمة الصحة العالمية من موجات قادمة.
المصادر:
- الجزيرة نت
- موقع الطبيب
الدكتور لؤي باكير خريج كلية الطب من جامعة حمص وأعمل حالياً ك طبيب أسرة في المملكة العربية السعودية , أعشق التدوين الطبي و السفر كاتب لدى العديد من المواقع الطبية المعروفة العربية والأجنبية هدفي نشر الثقافة الطبية الموثوقة باللغة العربية بطريقة سلسة وبسيطة.