على موعد !

نظرت إلى صورته في اشتياق فاضح. عيناها أفاضت دموع انتظار فسيح. أشاحت يداها قليلا، ‏تحسّست الصورة برقة متناهية ممرّرة أناملها الحانية على ملامح وجهه، وتعاركت في عناق حميمي ‏مع ظل طيفه. ‏

قالت له: أنت لا تحب روحي ولا رسمي لأنّك ذاهب إلى أحضان حب آخر وقد لا تعود. طبع قبلة ‏الوداع على جبهتها وذهب إلى موعده دونما تردد وكأنّ شموع فؤاده لا تعلن عن احتضار لحظاته ‏معها. كأنّما تذكّر شيئا مهما، عاد وتفحّص مجرى الدموع في عينيها وبلّل يديه بهما، وغادر دون أن ‏تهتز شفتاه بآثار كلمة.‏

أحداقها شدهت من شدة البكاء. ودقات قلبها تطايرت كشرارة من تقاذف النيران. فلم يمض سوى شهر ‏واحد على رباط مقدس جمعهما بعد طول انتظار. حبات المطر المتساقطة بغزارة، والتي تضرب ‏النافذة بعنف شديد، نغّصت عليها وحدتها فسرعان ما أيقنت أنها كانت في حلم جميل عاشته ولم تعد ‏تحياه.‏

حنت بظهرها قليلا على السرير، جالت مرة أخرى في تخيل كلماته وصورته التي كانت تراها عندما ‏تنظر في المرآة أو إذا ذهبت إلى أي ركن كان. تذكرت وبعمق أطياف الإستشهاد في مقلتيه، وهو ‏يتحدث عن فلسطين. تناثرت الدموع كسيل جارف، امتثلت أمامها” سخافتها”، وتفكيرها “المهتريء” ‏عندما أحسّت نيران الغيرة تلتهمها، لأنه اختار أن يقدم حياته على طبق من الإخلاص لحبه الآخر، ‏ولم يختر البقاء إلى جانبها.‏

لم تنس تلك الإبتسامة الرقيقة التي كانت تترقرق على وجنتية بتورد غير مفهوم، ليصمت طويلا ‏عندما تسأله: هل تحب فلسطين أكثر؟ فتشت أوراقه بحنان، تمعّنت في دعوة زواجهما من جديد. فإذا ‏بحروف من أحمر أرجواني خُطّت عليه “أنت فلسطين، وفلسطين أنت. إن تهاونت بحقها خرقت عهد ‏الوفاء لك.”.شُدهت لوقع كلماته وتتابعت عبراتها. تذكرت آخر لحظة وداع عندما غطّى أنامله ‏بدموعها.‏

رسمت في مخيلتها صورته برونق آخر، مشهد جسده المسجى على وريقات خضراء، ورائحة عطره ‏تنبعث من جراحه التي أثخن بها. لمست أنامله المتورّدة بالدماء والتراب. “نعم لقد اختلطت مع آثار ‏دموعي”. تابعت في شوق ساحر: فلسطين هي: هو، والتراب، ودمعي أنا. هذا لا يكفي. مرّغت أناملها ‏بحبر كلماته، وغادرت غرفتها إلى ذاك الموعد الذي لم يفرقهما لكي يجمعهما.‏

بقلم أ. عزة عزالدين حسين

تحرير: دائرة العلاقات العامة

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.