نظرت إلى صورته في اشتياق فاضح. عيناها أفاضت دموع انتظار فسيح. أشاحت يداها قليلا، تحسّست الصورة برقة متناهية ممرّرة أناملها الحانية على ملامح وجهه، وتعاركت في عناق حميمي مع ظل طيفه.
قالت له: أنت لا تحب روحي ولا رسمي لأنّك ذاهب إلى أحضان حب آخر وقد لا تعود. طبع قبلة الوداع على جبهتها وذهب إلى موعده دونما تردد وكأنّ شموع فؤاده لا تعلن عن احتضار لحظاته معها. كأنّما تذكّر شيئا مهما، عاد وتفحّص مجرى الدموع في عينيها وبلّل يديه بهما، وغادر دون أن تهتز شفتاه بآثار كلمة.
أحداقها شدهت من شدة البكاء. ودقات قلبها تطايرت كشرارة من تقاذف النيران. فلم يمض سوى شهر واحد على رباط مقدس جمعهما بعد طول انتظار. حبات المطر المتساقطة بغزارة، والتي تضرب النافذة بعنف شديد، نغّصت عليها وحدتها فسرعان ما أيقنت أنها كانت في حلم جميل عاشته ولم تعد تحياه.
حنت بظهرها قليلا على السرير، جالت مرة أخرى في تخيل كلماته وصورته التي كانت تراها عندما تنظر في المرآة أو إذا ذهبت إلى أي ركن كان. تذكرت وبعمق أطياف الإستشهاد في مقلتيه، وهو يتحدث عن فلسطين. تناثرت الدموع كسيل جارف، امتثلت أمامها” سخافتها”، وتفكيرها “المهتريء” عندما أحسّت نيران الغيرة تلتهمها، لأنه اختار أن يقدم حياته على طبق من الإخلاص لحبه الآخر، ولم يختر البقاء إلى جانبها.
لم تنس تلك الإبتسامة الرقيقة التي كانت تترقرق على وجنتية بتورد غير مفهوم، ليصمت طويلا عندما تسأله: هل تحب فلسطين أكثر؟ فتشت أوراقه بحنان، تمعّنت في دعوة زواجهما من جديد. فإذا بحروف من أحمر أرجواني خُطّت عليه “أنت فلسطين، وفلسطين أنت. إن تهاونت بحقها خرقت عهد الوفاء لك.”.شُدهت لوقع كلماته وتتابعت عبراتها. تذكرت آخر لحظة وداع عندما غطّى أنامله بدموعها.
رسمت في مخيلتها صورته برونق آخر، مشهد جسده المسجى على وريقات خضراء، ورائحة عطره تنبعث من جراحه التي أثخن بها. لمست أنامله المتورّدة بالدماء والتراب. “نعم لقد اختلطت مع آثار دموعي”. تابعت في شوق ساحر: فلسطين هي: هو، والتراب، ودمعي أنا. هذا لا يكفي. مرّغت أناملها بحبر كلماته، وغادرت غرفتها إلى ذاك الموعد الذي لم يفرقهما لكي يجمعهما.
بقلم أ. عزة عزالدين حسين
تحرير: دائرة العلاقات العامة