هل الإنسان مسيّر أم مخير… تأملات فكرية !‏

سؤال يطرأ على فكر كل إنسان، هل الإنسان مسير أم مخير؟ وكواحدة من الناس فقد فكرت في السؤال ‏وتأملت به مليا ورأيت من وجهة نظري أن الإنسان مسير، ومن يقول أنه مخير، فأقره الرأي ـ فقط ـ في الأمور ‏التي تساعده على الحياة والسعي من أجل البقاء والتطور ليس إلا.  والدليل على ذلك أن الإنسان عندما ‏يصاب بمصائب وآفات وأمراض فهي خارجة عن إرادته لأنه لا أحد يريد لنفسه الشر ولا أحد يحب أن يلقي ‏بنفسه إلى التهلكة.  وعندما يموت الإنسان، فيوافيه الأجل أيضا دون إرادته لأنه لا أحد يريد لنفسه الموت أو ‏يحب أن يجلب لنفسه المصائب.  وكذلك قد يصادف من الخير والنعم والناس الخيرين وقت الشدة دون تخطيط ‏أو  سابق إنذار، فتحدث الأمور فجأة دون سابق إنذار، وهذا أيضا يدل على أن الإنسان مسير وليس مخير. ‏وصدق الله في محكم آياته عندما يقول:  “أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن الخالقون”،  ولو الإنسان هو خالق نفسه ‏لخلقها على أحسن صورة وأجملها، ولكنه يأتي إلى هذه الدنيا بمواصفات معينة وصورة محددة وجنس ولون ‏محدد وبذكاء معين واستعدادات فطرية موروثة لا دخل له في تشكيلها.‏

وكذلك لدى التأمل في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والكواكب المنتثرة في السماء، ‏والنجوم المضيئة، والشهاب الثاقبة، والبحار بتعددها، والمحيطات بضخامتها، والأشجار ببساقتها، والمخلوقات ‏بعجائب تكوينها ودقتها وعظمتها، كلها تدل على وجود إله خلاق مبدع معجز تحار في خلقه العقول وتعجز ‏عن الوصول إلى قدرته الأفهام.  وإذا ما نظرنا إلى اختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر، ‏والقمر وبزوغه، وتشكله في هلاله وبدره ومحاقه، وتعاقب الفصول من شتاء وربيع وصيف وخريف، وحركة ‏النجوم والكواكب حول محاورها ومداراتها بدقة متناهية ونظام دقيق بلا تأخير ولا تبديل، وخلق الإنسان وقدرته ‏على التعلم وإبداعه وإنجازاته وعقله وحضارته، كلها تدلنا على أننا جزء من الخلق ومسيرين في حياتنا ‏وخاضعين لمشيئة الله، لقوله تعالى: “وبأنفسهم أفلا يبصرون”.‏

إن عملية خلق الكون بنباتاته وسماواته وفلواته، نجومه وكواكبه وأجرامه هي معجزة في حد ذاتها وكلها ‏تدل على الإعجاز في الخلق والذي يدل على وجود الله وقدرته وخلقه كما يشاء هو لا كما نشاء، لقوله ” ‏وتفكروا في خلق السموات والأرض”.   كما أن الكواكب مسيرة  بأمر رباني وليست مخيرة، وهو القادر على أن ‏يجمع الشمس والقمر ويخسف القمر ويقيم القيامة متى يشاء ولسنا نحن، لقوله، ” فإذا برق البصر وخسف ‏القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر”, ولقوله، “إن في اختلاف الليل والنهار لآيات لأولي ‏الألباب”.‏

من ناحية أخرى، إن الدورة السائرة في الخلق والموت والتجديد والبعث يدلنا على أن هناك برنامجا ‏منظما مزروعا في كل كائن حي، بحيث يعلم ما عليه القيام به دون تأخير أو تبديل، أو فوضى أو تغيير.  ‏فالبذرة هي نواة الخلق وفيها برنامجها وشيفرتها التي تحدد شكلها وطولها وورقها وخضرتها سواء أكانت هذه ‏البذرة بذرة إنسان أو حيوان أو نبات.  وما يقوم به الإنسان من عمل إلا لتهيئته الظروف المناسبة لنموها ‏ونضجها وحياتها كحرث الأرض وسقايتها، وبذر البذور والعناية بها، وتحصينها من الأمراض والجراثيم.  وهذه ‏القاعدة متعلقة أيضا بالكواكب ودورانها حول محاورها، والإنسان وتكاثره، والنبات ونموه.  بمعنى آخر فإن كل ‏كائن حي منظم ومبرمج له عقل يعي ما عليه القيام به ليحافظ على خلقه وحياته.  وما دامت هذه هي القاعدة ‏فلا نستبعد أن يكون هناك مخلوقات فضائية تعي وتتحرك وتنتقل بأجسام نورانية أو بغازات وعناصر كيماوية ‏تدور وتتحرك ما دامت حركة هذا الكون منظمة.  وقد يأتي زمن يرى فيه الإنسان هذه المخلوقات الفضائية ‏المدركة لله ولكن بأجسام مختلفة وأشكال متنوعة وتتحرك بسرعة ضوئية كما نحن نتحرك بسرعة تتفق ونوعية ‏جسمنا المكون من التراب.  ولا عجب إن كانت هذه الكائنات الفضائية من الكبر بحيث إذا انطلقت في السماء ‏لاكتشاف الكون مثلنا، بأن تنطلق بسرعة فائقة كالشهاب الثاقبة فتدك الأرض دكا وتحرقها بإشعاعاتها ‏وتموجاتها الكهرومغناطيسية فتجعلها هباء منثورا، عندها سيقول الإنسان أين المفر، وعندها سيعرف أن الساعة ‏آتية يكاد الله يخفيها، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الشمس والقمر بحسبان, وكل شيء هالك إلا وجهه ‏لقوله تعالى، “إذا الشمس كورت وإذا الكواكب انتثرت”.  وعندها ينتهي أجل الكواكب ويختل توازن الكون ‏وتختل الأفلاك بحركتها وسيرها ومداراتها، عندها يحدث الاصطدام والجمع والفصل والتجاذب والنفور ( إذا ‏السماء انشقت وأذنت لربها وحقت، وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت)، وعندها تأتي ‏الساعة وتقوم يوم القيامة فيقول الإنسان يومئذ أين المفر، كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر.‏

وبناء على هذه الحقائق الكونية، فالحروب النووية ليست هي التي تكون سببا في قيام يوم القيامة وإنما ما يدك ‏الأرض من الكواكب الخارجية نتيجة حدوث خلل في الحركة والمسار، ونتيجة لوجود الكواكب الذكية المدركة ‏التي تتجه إلى الأرض بأمر من الله فتدكها دكّا وتجعلها هباء منثورا والله أعلم.  ثم يعيد الله الخلق كما بدأه أول ‏مرة لقوله هو يبدأ ويعيد.   إن مثل هذه الحقائق والتأملات تدلنا على أن الإنسان واحد من بين المخلوقات، ‏وأنه مسير داخل إطاره العام الذي رسمه الله له، ومخير في الجزئيات التي هي داخل هذا الإطار العام والتي ‏تتعلق بنمط حياته ونوع أكله وشربه ولبسه ومستوى تعليمه وبيئته الاجتماعية وغيرها من السلوكات المكتسبة ‏نتيجة تفاعله مع البيئة الخارجية، وهذا ما يفسر أن الله أعطى الإنسان حرية الاختيار دون غيره من سائر ‏المخلوقات. سبحان الله.‏

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.