الوجودية في حتمية القدر

حياتنا واقع يومي نعيشه، نعلق عليه آمالنا وآلامنا، وننتظر القدر لنعلل بأنه مكتوب من باسط السموات والأرض سبحانه، و ننسى حقيقة أن الإنسان مخيّر فيما يعلم، ومسيّر فيما لا يعلم، ويزداد حرية؛ كلما ازداد علماً. فالحياة مدرسة، أستاذها الزمان، ودروسها التجارب، لا تحتاج إلى طلب انتساب ولا حتى حجز مقعد، ‏نكتسب خبراتها، ونتعلم معارفها، فقطار الحياة يتوقف عدة محطات قد تكون لأخذ العبرة من مواقف أو ‏مصاعب واجهتك في الطريق.

أفكارك هي التي تحدد مصيرك، ولكي تدير عجلة حياتك؛ لابدَّ أن تتخذ قراراتك باتزان أفعالك والتي هي وليد أفكارك، هبة الحياة للعبد في ذاتها نعمة، فخلق الله لنا أرواحاً مُستقلة وقُلوباً مختلفة، لنقرر خيارات حياتنا بأنفسنا، فالسعادة والسكينة أوالشقاء والقلق ينبع من خيار أنفسنا، فحياة الإنسان كما السائل الذي يتلون بلون الإناء الذي يحتويه، فمن رضي فله الرضى ومن غضب فله الغضب. حقيقة الأفكار التي تشتعل في الذهن وتعتمل في النفس هي ركيزة حياتنا، فإن ساورتنا أفكار سعيدة كنا سعداء، وإن خامرتنا أفكار شقية غدونا أشقياء، فتذكر دائما أن حياتك هي اختيارك، فعليك أن تغلق أذنيك عن الضجيج الخارجي، وتبدأ بالإنصات لصوت قلبك الذي تجاهلته منذ زمن فغالباً ما يكون صحيحاً.

الإيمان بأنك وحدك من يصنع حياتك لا أحد سواك، فجميع الأديان لن تخرج عن طبيعتها في اعتبار النفس هي المسؤولة عن الأفكار والقرار، والتي بدورها تقدم حياتك فإما صالحا وإما ممقوتا، فالحياة مِن صنع مَن يعشيها، وجملة من الأفكار تحولت إلى عَزيمة فعل، ثم طُبقت على أرض الواقع ضمن سلسلة من المسارات.

إن المرئي هو انعكاس للباطني عند الإنسان ويؤكده، فسلوكنا نتيجة أفكارنا، وسرعان ما تتحول هذه الأفكار إلى قناعات وقيم داخلية، فكثير مَن أحاطوا أنفسهم بعائق الهلع وحاجز الخوف، مما أجهض تطورهم وسعادتهم وإمكاناتهم، وبعضهم يعتقد بأنهم غير محظوظين في حياتهم، فيسبب لهم هذا الاعتقاد الفشل والإحباط، وعدم الإقدام على صناعة مستقبل متألق لحياتهم، وقد نهانا الحبيب المصطفى عن الطيرة والتطير؛ لأنها باب من أبواب الشرك وسوء ظن بالله بغير سبب محقق، فيجب علينا أن ننظر إلى نصف الكأس المملوء، واختلاق المنفعة في المواقف السلبية، لنحافظ على الروح الإيجابية بداخلنا، فالعثرات لا نعتبرها  زلة؛ بل فرصة جديدة منحتنا إياها الحياة لنبدأ من جديد.

في عقولنا البشرية تكثر الأفكار الجيدة وتتزاحم في خلق فرص إبداعية في الحياة على جميع الأصعدة، فمن الضروري أن نطهر عقولنا من دنس الأفكار الخبيثة، وصياغتها بكيفية جوهرية من بدايتها حتى لا ندخل في دوامة حيل العقل؛ لأننا كما نعلم عندما نمنع فكرة بإجبار، تلد فكرة أخرى، فلتكن أنت دون تقليد، لتعطي نفسك مساحة من التروي والتمعن، حتى نجعلها تخرج بسلام، يقول (ديل كارينجي) في كتابه (دع القلق وابدأ بالحياة) فصلاً بعنوان: حياتك من صنع أفكارك، وهي حكمة رومانية قديمة، قال فيه اعتقادي الذي لا يتطرق إليه الشك، أن المشكلة الكبرى التي تواجهنا، هي كيف نختار الأفكار الصائبة السديدة، فالإنسان هو حصيلة أفكاره جميعا، فالعالم الخارجي صورة للداخلي، والعالم الداخلي يرّسخ الخارجي.

وهب الله تعالى لكل منَا بصمة خاصة، بصمة تكاد تشبه إلى حدٍ ما بصمة الأصبع، تلك البصمة التي لا تشبه بصمة غيرها، مصداقاً لقوله سبحانه : “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ”، فالناس في طبائعهم أشبه بعالم من الأشجار، وعُدّ ذلك من آياته جلّ وعلا. فلا ترتدي شخصية غيرك، فكثير من الناس من يقع فريسة التكلّف والصلف وإعدام الكيان، والتطوق بجيش الانصهار والحرق.

إن جمال صوتك أن يكون متفرّداً، وحسن إلقائك أن يكون متميزاً، فلا تجعل نفسك في سرداب المماثلة، حتى لا تقع في مهاوي الإحباط، الأمر الذي سيجعلك مُتعباً مُنقاداً لا مُستعصياً، مُتناسياً بذلك ما حباه الله عز وجل لكَ من صفات خاصة، فهناك مَن آثروا لترك بصماتهم في الحياة، فصنعوا حضارة أمتهم، وخلّد التاريخ ذكرهم، تلك الأقدام التي مرّت في هذه الحياة ثم ارتحلت، وانتقلت في الغابرين، فكان من بينها أقدام سارت بغير منهجها فتلاشت، وهناك ما زالت بصماتها مرموقة تُعجب الناظرين، فالوجود لا يُغني عن الأثر، والأثر يدل على قيمة الوجود.

لنعفي أنفسنا من رقّ التقليد، وتبعيّة التشبّه، وضريبة المحاكاة، فجاذبيتك تكمن في استقلاليتك، فكُن أنت نفسك، تفعل بجدٍ ما تُؤمن به، فلا تخطو نجاح غيرك وتُعيد تمثيله، واعلم أنّ لديك قوة وعزيمة تُزلزل الجبال بالإيمان واليقين.

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.