علمياً: هل يمكنك أن تتغير حقاً؟ أم ستبقى كما أنت؟

التغيير

هل يمكنك أن تتغير حقاً؟ أم ستبقى كما أنت؟

هل يمكن للفاشل في دروسه أن يصبح من المتفوقين؟ أو أن يصبح الإنسان الكسول مفعمًا بالحيوية والنشاط؟ هل يمكن لسريع الغضب أن يصبح صبورًا بطبعه؟

بدايةً، قد يظن البعض بأنّ المقال هو مجرد كلام تحفيزي أو درس في التنمية البشرية، ولكن هنا سنعرض الموضوع من الناحية الفيزيولوجية و المثبت علميًا وليس من الناحية النفسية.

بالرغم من أنّ الخلايا العصبية أو خلايا الدماغ في الوضع الطبيعي من الصعب أن تتجدد أو تتكاثر منذ الولادة، إلا أنّ الدراسات أثبتت أنه يمكن إنتاج خلايا عصبية جديدة في أجزاء محددة من الدماغ في عملية تسمى “Neurogenesis” تحت تأثير محفزات بيئية أو جسدية أو نفسية.

وقد يعتقد البعض أن هذه الخلايا محدودة العدد تَنضجُ بشكلها النهائي عند البلوغِ ولا يمكن أن تتغير، وأنَّ كل القدرات والمواهب لا يمكن أن تكون مكتسبة.

فإن كنت تعتقد أن التغيير الوحيد في دماغك بعد البلوغ لن يتعدى موت الخلايا العصبية؛ سواءً بسبب التقدم بالعمر أو بسبب السكتاتِ الدماغيةِ، فنبشّرك بأنّ خلايا دماغك قد تبدأ بالتغير في أي لحظة للأفضل، حتى ربما بعد قراءتك المقال.

قبل شرح آلية التغيير في الدماغ، يجب توضيح مقدمة بسيطة عن آلية عمل الدماغ أثناء التفكير أو القيام بأي نشاط أو الإحساس بأي شيء:

الجهاز العصبي (بما في ذلك الدماغ) يتكون من خلايا عصبية منفصلة تتشابك مع بعضها (Synapses) وتتواصل بسيالات عصبية (تيارات كهربائية Action Potentials)، في شبكة هائلة من الخلايا والمشابك بينها. وبهذا التواصل تتكامل الخلايا وتقوم بوظائفها، وتكون اتجاهات انتقال هذه السيالات من خلية إلى أخرى مختلفة حسب العمل الذي ننوي القيام به، ويتم إنشاء هذه السيالات العصبية بوجود مواد كيميائية تسمى “الوسائط أو النواقل العصبية “Neurotransmitters”.

أي أننا عندما نترجم الشعور بالحرارة مثلًا، فإننا نحتاج إلى:

  1. خلايا عصبية متنوعة.
  2. وسائط عصبية.

وكلما كانت الخلايا العصبية التي شاركت بالإحساس بالحرارة بصحة أفضل، ولها موصلية أعلى ‏(More Excitable)، فإننا نشعر بالحرارة أكثر. وكلما كان تركيز الوسائط العصبية بين الخلايا أعلى (حسب قوة المؤثر) تُنقل الإشارة بشكل أفضل، وبالتالي إحساس أكبر بالحرارة.

يمكن أن تُغيّر في دماغك وأن تجعله أكثر ذكاءً، أو اكتساب مهاراتٍ جسدية ونفسية لم تكن تتقنها سابقًا. في كل مرة تتعلم فيها شيئًا جديدًا فأنت تغير دماغك، إنها خاصيّة تم إثباتها علميًا وتسمى “لُدونَةُ الدماغ” أو “مرونة الدماغ” أو ‎”Neuroplasticity”‎‏.‏

لدونة الدماغ

تُعرّف لدونة الدماغ بأنها قدرة خلايا الدماغ على تغيير ترتيب التشابك العصبي فيما بينها أو إيجاد تشابكات عصبية جديدة، وذلك استجابةً لمحفزاتٍ خارجية أو داخلية، وأنّ هذا التغيير يمكن أن يكون إيجابيًا أو سلبي الأثر على جميع مناحي حياة الشخص، ولا يقتصر التغيير على عمر معين.

تمامًا هذا ما يحدث في دماغك، فعندما تبدأ بتعلم قيادة سيارة مثلًا، في البداية ستواجه صعوبة في الموازنة بين حركة القدمين على الدواسات وتنسيقها مع الأيدي والحواس التي تحتاجها بالقيادة، ولكن مع التدريب المتكرر أنت تُحدثُ تغيراتٍ على مستوى الدماغ.

قد يبدو هذا الكلام بديهيًا لنا، ولكنه الآن باتَ مثبتًا علميًا وله تطبيقاته العلاجية التي حسّنت بشكل كبير الحياة الصحية لمرضى السكتات الدماغية (التي تؤدي إلى موت جزء من خلايا الدماغ) والذين يعانون من الشلل الدائم.

والآن كيف يحدث التغيير من الناحية الوظيفية (الفيزيولوجية) في الدماغ حين نتخذ القرار الحقيقي بالتغيير ونبدأ به؟

لنفرض أنك بدأت بتعلم مهارة جديدة أو التدرب لتنمية موهبة ما.

حين تَشرع في التدريب في المرات الأولى يبدأ تركيز “الوسائط العصبية” بالارتفاع بالدماغ وبالتحديد في الجزء المسؤول عن المهارة التي تحاول تَعلمها. يعرف هذا التغيير في النواقل العصبية بـ “الذاكرة قصيرة المدى”.

وهذه النقطة تعتبر حرجة في التغير فعند توقفك عن التمرين فإنه سرعان ما يعود تركيز هذه النواقل إلى وضعه السابق ولن تستفيد شيئًا مما تعلمت في البداية.

ولكن إذا استمررت مدة أطول فإنّ التغير لن يقتصر على تركيز النواقل العصبية بل سيبدأ التغير على #بنية_الدماغ ككل. سيبدأ دماغك بتفعيل خلايا عصبية لها كفاءة أعلى في نقلها للسيالات العصبية المعني بانتقالها (سيالات مهارتك الجديدة) وإيجاد تشابكات عصبية جديدة أكثر فعالية، حيث تصبح هذه الخلايا أكثر موصلية، وتُسخر وظيفتها للمهارة التي تتعلمها وهذا ما يعرف بـ ” الذاكرة طويلة المدى “هنا يصبح التغيير دائمًا وستكون قد أصبحت تمارس ما تعلمته بسهولة.

ويمكن أن تكون خاصية “لدونة الدماغ Neuroplasticity” سلبية التأثير، وأن تشكل نتائج كارثية على الحياة الفردية والنفسية، والمفتاح الرئيسي في التوجه نحو الإيجابية أو السلبية في هذه الخاصية هو سلوكك.

نعم، يمكن لالتزام الصدق بشكل متكرر وإجبار النفس على قول الحق، أن يُرسّخَ فيك عادة الصدق بشكل أكبر وأن ينعكس هذا التصرف في كثير من النواحي الأخلاقية في الشخصية.

فقط بقرار عميق ينبع من داخلك حينها سيبدأ التغيير في خلايا الدماغ نفسها ليسهل عليك القيام بكل ما تريد القيام به.

ليس هذا فحسب، تعتقد الدراسات أنّ مثل هذه القرارات والطموحات يمكن أن تحفز عملية إنتاج خلايا عصبية جديدة (Neurogenesis) في أجزاء محددة من الدماغ، وستكون هذه الخلايا العصبية الجديدة أكفئ في وظيفتها بإيصال السيالات العصبيّة مما يجعلك تقوم بما تريد بسهولة بالغة.

ويجدر بنا ذكرُ ما أكدته الدراسات بأنّ الرياضة في الهواء الطلق، تزيد من لدونة الدماغ، وتُحفز عملية إنتاج الخلايا العصبية في الدماغ Neurogenesis، وخصوصًا في أجزاء مسؤولة عن التعلم والذاكرة، مما يجعل من يمارس هذه العادة أقل عرضة للإصابة بالنسيان مع التقدم بالعمر .

ونختم بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:

إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه) صدق الرسول الكريم

فريق العمل

إعداد: عماد سليمان

مراجعة علمية: ألمى تمّو

تدقيق لغوي: مصعب إدريس

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.