محمد عمران طالب من جامعة النجاح حصل على معدل 3.99

بقلم: محمد عمران

تحرير: دائرة العلاقات العامة

تركت المدرسة وأنا في الصف العاشر بسبب شعوري بعدم جدوى اكمال دراستي المدرسية. قضيت فيها عشر سنوات دون اكتراث بالدراسة. التحقت بأحد الأجهزة الأمنية لمدة ثماني سنوات.

راجعت ذاتي كثيراً وراودتني نفسي بالعودة للدراسة بعد طول انقطاع. تقدمت لامتحان التوجيهي وفوجئ الأهل والأصدقاء بنجاحي. التحقت بالجامعة عندما بلغت السادسة والعشرين من العمر وتخرجت من الجامعة بمعدل 03.99 من 04:00. فهل تستحق قصتي أن اطلعكم عليها؟

طالما كانت الحياةُ مليئةً بمنعطفاتٍ تتطلب اتخاذَ قراراتٍ قد يصعب الرجوع عنها، وفي طيش الشبابِ قد لا يحسنُ الانسان اتخاذ مثل تلك القرارات. لم أكن يوماً محباً للتعليم النموذجي، وكنت دائم الانتظار للمرحلة التي أتمكنُ فيها من انهاء رحلتي مع التعليم المدرسي. مع بلوغي الصف العاشر بدأتُ اشعر بأن ذلك الخصام قد بات قريباً. وفي ظلِ غيابٍ طويلٍ عن مقاعد الدراسة انتهى بي المطاف بالرسوب. في العام التالي وبعد تقديم عدد من الإكمالات نجحت بالصف العاشر بعد الإعادة. ومع هذه النتائج المخيبة للآمال وفي خضم الظروف الصعبة التي كان يعيشها شعبنا في ظل انتفاضة الاقصى تمكنت من إقناع أهلي بعدم جدوى استمراري بالدراسة. وفي محاولةٍ اخيرةٍ، حاولَ والدي اقناعي بالعدول عن هذا القرار ضارباً أمثلة من حياتنا وديننا عن اهمية العلم والتعليم. يومها لم افكر اطلاقاً بتبعات هذا القرار على مستقبلي الشخصي أو على دوري كانسانٍ فاعلٍ في مجتمعه.

وفي عام 2004 وما أن تم التفاهم على تركي لمقاعد الدراسة حتى غمرتني السعادة ظناً مني بأنني اصبحتُ حراً طليقاً من أي قيدٍ. ومنذ تلك الحظة انضممتُ للعمل في السلك العسكري. تلك تجربةٌ افتخرُ بها بحلوها ومرّها، فمن خلالها عرفت اشخاصاً من شتى مناطقِ الوطن وتعرفت على ثقافات المناطق التي ينحدرون منها فازدادت معرفتي ببلدي. ومن خلال تلك التجربة تذوقت الطعم الحقيقي للتعبِ الممزوجِ بالفخرِ لما شعرتُ به من دورٍ في خدمة مجتمعي وذلك من خلالِ حرصي على أن أعطيَ صورةً مشرفةَ عن المؤسسة التي أنتمي إليها.

مع مرورِ الايامِ بدأ الواقع يضرب بلا رحمة، فكان تطوري الوظيفي بطيئاً جداً لعدم حصولي على اي شهادة كالثانوية العامة وما فوقها. وأجبرتني الظروف على العمل باكثر من نوع من الأعمال في فترة اجازتي لأتمكن من مجاراةِ متطلباتِ الحياة. أما الجانبُ الاخر فيتعلقُ بدوري تجاه المجتمع الذي اعيشُ به، فلم تكن الظروف قاهرةً لدرجةٍ تمنعني عن إكمال تعليمي. فكانت تبهرني قصصُ نجاح طلبة فلسطينيين يعيشون في ظروف أصعبَ من ظروفي ويشقون طريقهم بتميزٍ متجاوزين الحدود التي فرضتها الحياة عليهم. كنتُ افخرُ بكوني أنتمي لمجتمع رغم الظروف الصعبة التي يعيشها إلا أنه قدم عدداً من العلماء والأَعلامِ التي ساهمت في الإرث الحضاري البشري في شتى مجالاته. هذا المجتمع الذي ترتفعُ به نسبة التعليم ومحو الأمية على الرغم من الويلات التي يعيشها. كنتُ أخجل أن أكون مساهماً بشكلٍ سلبيٍ في هذا الواقع لمجتمعنا لكون القيود التي فرضت علي وان كانت قاسية لكنها قابلة لان يتم تحطيمها وتجاوزها.

ومع مرور الزمن وازدياد الألم الناجم عن تبعات قراري بترك الدراسة، قررتُ التقدم لدراسة الثانوية العامة في عام 2007، ولكنني لم أستطع إكمال شهر واحد في دراستي حتى قهرتني الظروف. غمرني اليأس والإحباط وشعرت بأن حلمي بالحصول على شهادة الثانوية العامة قد تلاشى الى الابد. استمرت الامور بالانحدار مما هو سيء إلى ما هو أسوأ.

وفي عام 2012 توفرَ من الظروف ما لم اعهدها منذ تركي للدراسة في عام 2004، فقررت التقدم لدراسة الثانوية العامة. خشي أهلي والمقربون مني وبعض الأصدقاء من الصدمة التي ستصيبني لتوقعهم عدم نجاحي بالحصول على شهادة التوجيهي. قمت بدراسة التوجيهي في ظروفٍ صعبة حيث أنني كنت أفتقد لأبسط الأساسيات في موادَ مثل اللغة العربية والانجليزية والرياضيات. لم اتقدم لأي امتحان تجريبي يومي او شهري او فصلي لأواجه الامتحان الوزاري النهائي.  بدأتُ بحلم النجاح في سعيي لنيل هذه الشهادة. وبعد انتهاء الفصل الدراسي الأول بات الطموح بتحقيق التفوق وشيكاً. وما أن أزهرت باكورة تعبي حتى غمرتني السعادة بشكلٍ لم أعهده في حياتي فقد تحقق حلمي ونجحت بشهادة الثانوية العامة بمعدل 95.1 للفرع الادبي. تسببت تلك النتيجة في مفاجئة لاهلي ولكل من عرفني فلم يتوقعوا مني النجاح وهذا ما صارحني به الجميع بعد صدور النتائج. شعرتُ بالفخر فلم اعد اساهم بشكلٍ سلبي في الوضع التعليمي لبلدي.

وكَبر الحلمُ بأن أتفوق بالمرحلةِ الجامعية. تلك كانت رحلةً جديدة لم أعهدها ولم أتوقع خوضها في حياتي. فقد واجهتني تحدياتٍ جديدة وأكبر من ذي قبل. لكنني لم أكن لأستسلم عند تلك المرحلة. وعلى الرغم من التزامات الحياة في هذا العمر فكان عمري يقارب السادسة والعشرين عند دخولي جامعة النجاح الوطنية، إلا أنني تمكنت من النجاح في تلك المرحلة وبمعدلٍ تراكمي ممتاز 3.99 من 4. وقد حرصت على اكتساب المعرفة والتوسع بما يتعلق بتخصصي (المحاسبة) لأتدارك شطراً من العمر الذي مضى. خضت التجربة بصعوباتها من منطلقٍ راسخٍ بأهمية العلم والتعليم في عصرنا هذا الذي تكون الريادةُ فيه للأمم المتقدمة علمياً، فلا سبيل عن التعليم مهما ملكنا من مال وجاه لأن الإرث الحضاري العلمي هو ما يحفظ ديمومة التقدم التفوق من جيلٍ لآخر و ما أحوجنا اليوم لمثل هذا الإرث.

أتمنى لكل إنسان وخاصة فئة الشباب في مقتبل العمر أن يعي ما ينتظره بالحياة عند اتخاذ قرارٍ يتعلق بمستقبله الدراسي، فلا مستحيل مع الصبر والتحمل والثقة بالنفس. وكما قال شاعرنا الفلسطيني الكبير محمود درويش “على قدر حلمك تتسع الارض”. لذا، اعطِ الجانب الدراسي حقه ومن ثم انطلق في حياتك في شتى مساراتها لنظل مجتمعاً متمسكاً بأحد أهم سنن الحياة في التقدم.

اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة النجاح الوطنية

Facebook Comments
السابق «
التالي »

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.