كثيرًا ما نستعرِض محطاتِ حياتنا ، فتمُرُّ أمامنا الذكرياتُ كشريط سينمائي سريع، نتوقف عند بعضها فتنزل عَبرة حرّى ؛ أو ترتسم على الشفاه ابتسامةٌ نقية رائقة ، تعيد العقل والفؤاد إلى أجمل اللحظات.
وفي عام 2019 تعود بي الذاكرة إلى الفصل الدراسي الثاني من عام 2016، حين اتخذتُ القرار الحاسم والأروع في حياتي، حين تنفستُ هواء أعشقه ، وأنا أخطو خطواتي الأولى إلى عمادة القبول والتسجيل ، لأعود إلى مقاعد حبي وتميزي ، إلى مقاعد الدراسة ، أعود طالبةً في كلية الدراسات العليا ” برنامج ماجستير اللغة العربية وآدابها” ، بعد غياب عشرة أعوام من نهاية البكالوريوس.
القلب يشتد خفقانه، والبسمة واسعة على الشفتين، والشغف كبير ، تستحضرُ ذاكرتي تلك المقولة الرائعة للأديب المصري إبراهيم المازني واصفًا رحلةَ حياته بالقول: ” لقد كانت الرحلةُ طويلةً وشاقة ، وكثيرة الرّجّات والصدمات، ولكنّ الثمرة التي خرجتُ بها تستحقُ العناء” .
خضتُ غمار الدراسة بجدّ وأنهيتُ المساقات بتقديرٍ ممتازٍ ، وخرجتُ بثمرة تستحق – فعلًا- كلَّ العناء، ويوشك قطارُ الرحلة أن يتوقف ، فلم يتبقَ إلا إنهاء الأطروحة ، وما تزال عينايَ تلمعان كلما تذكرت أنني ٍسأكون الخريجة في حفل التخرج القادم – بإذن الله- .
خلال الرحلة الشاقة ، كنتُ أمًّا لأربعة أطفال – زادوا قبل أشهر وصاروا خمسة- ، ومعلمة للغة العربية في إحدى المدارس الحكومية ، وربة منزل كبير وزوجة ، ولكن الشغف كان يحفّزُ كلما فترَت العزيمةُ قليلا.
أهمُّ قناعةٍ تشرّبِتُها خلال هذه الرحلة الشاقة الجميلة أنني فعلِتُ شيئا لنفسي، حرّكَ المياهَ التي ركدَت في روحي ،وَضخّت دماء جديدةً في عروقي ، شيئًا لنفسي فقط لنفسي فقط.
طالبة في كلية الدراسات العليا/ برنامج ماجستير اللغة العربية وآدابها